المريض في العيادة بين الكومبيوتر والطبيب

TT

إحدى البديهيات اليوم في عالم تقديم الرعاية الصحية هي أن مستوى صحة المريض يعتمد على وجود «تواصل جيد» Good Communication بين المريض من جهة؛ ومقدمي الرعاية الطبية له، وعلى رأسهم الطبيب، من جهة أخرى. وإنشاء «تواصل جيد» هو ما تعتمد عليه الوكالة الأميركية لأبحاث الرعاية الصحية والجودة Agency for Healthcare Research and Quality عند حديثها حول أهمية الاستخدام الأمثل للوقت الذي يقضيه المريض مع طبيبه خلال مراحل معالجته، خاصة في وقت زيارة المريض للطبيب بالعيادة.

دخول المريض إلى عيادة الطبيب عملية معقدة، وقضاء المريض وقتا محددا مع الطبيب عملية معقدة أخرى، وما بعد خروج المريض من العيادة هي الثالثة عملية معقدة. إنها عمليات «معقدة» لأن من المهم أن تسير بطريقة صحيحة كي تجري بالفعل، وأيضا كي يجري إنجاز المطلوب منها خلال الدقائق المعدودة للقاء.

إن التحضير لدخول المريض إلى العيادة يتطلب أنظمة جيدة للمواعيد ولإحضار ملف المريض، ولتهيئة العيادة بكامل التجهيزات اللازمة، وتوفير الأطباء الأكفاء، وتوفير طاقم التمريض، وتوفير نتائج الفحوصات المطلوبة، وقائمة أخرى من الأمور التي لها علاقة بوصول المريض إلى مبنى العيادة والمتعلقة بالاستقبال وبالانتظار وغيره ذلك.. وما بعد العيادة كذلك، من أخذ للمواعيد المقبلة للعيادة أو العيادات الأخرى التي يتعين عليه المتابعة فيها، ولتلقي الأدوية ولأخذ مواعيد الفحوصات المقبلة وغيره.. وما بين هذا وذاك، هناك الوقت التي يجري فيه لقاء المريض بطبيبه. وفي مراحل العمليات هذه كلها، يبقى عنصر «التواصل الجيد» هو العنصر الأهم لضمان جودة تلقي المريض للخدمة وجودة تقديم الطاقم الطبي خدمتهم لمريضهم. وإحدى الوسائل المهمة في إنشاء حالة من «التواصل الجيد» هو إتقان فنّ طرح الأسئلة والإجابة عنها، من قبل المريض ومن قبل الطبيب ومن قبل أفراد طاقم المستشفى المعنيين بإتمام عمليات زيارة المريض للطبيب في العيادة.

طرح الأسئلة والإجابة عنها مطلوب من المريض ومطلوب كذلك من الطبيب، بمعنى أنه خلال مراحل الزيارة، يطرح الطبيب مجموعة من الأسئلة كي يستطيع تقييم حالة المريض من خلال الإجابات عنها، وبدوره، يطرح المريض مجموعة أخرى من الأسئلة على طبيبه كي يفهم ما يتعين عليه فعله لإنجاح عملية معالجته. وكذا يطرح المريض أسئلة على بقية طاقم المستشفى المعنيين بإتمام عمليات زيارات المرضى في العيادات. ومن بين جميع العناصر اللازمة لطرح الأسئلة داخل العيادة، هناك عاملان مهمان: وجود وقت كاف، ووجود شعور بالارتياح لطرح الأسئلة وللإجابة عنها. كما أن من بين جميع العناصر اللازمة لطرح الأسئلة خارج العيادة هناك عاملان مهمان آخران: معرفة طاقم المستشفى بكيفية تسهيل الإجراءات على المريض، ومعرفة المريض لمن يتوجه بأسئلته.

دعونا في موضوع ما يجري داخل العيادة، ولنتحدث عن شأن نشوء حالة الارتياح التي تُساعد المريض وطبيبه على التواصل الجيد، والاستفادة المثلى من الوقت Time Best Utilization، وتحديدا لنتحدث عن استخدام الطبيب للكومبيوتر في مراجعة نتائج فحوصات المريض والمعلومات الأخرى عنه. الباحثون من جامعة نورث ويست بالولايات المتحدة سينشرون دراسة مفيدة حول هذا الأمر ضمن عدد مارس (آذار) المقبل من المجلة الدولية للمعلوماتية الطبية International Journal of Medical Informatics.. ويتحدث عنوان الدراسة عن التواصل بتلاقي نظرات المريض بالطبيب eye-gaze communication وتأثيرات استخدام الطبيب الكومبيوتر خلال وقت العيادة. وما لاحظته نتائج هذه الدراسة أن الطبيب يقضي 30 في المائة من وقت لقائه بالمريض خلال وقت العيادة وهو يطالع شاشة الكومبيوتر. ومطالعة شاشة الكومبيوتر التي يقوم الطبيب بها ليست لتصفح الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي أو المواقع الترفيهية، بل هي لمتابعة نتائج فحوصاته أو تقارير العمليات السابقة له وغيرها من الأمور المتعلقة بالمريض في السجلات الطبية الإلكترونية electronic health records.

وقال الباحثون: «حينما يقضي الطبيب كل ذلك الوقت منصرفا عن النظر إلى مريضه والتحدث معه، فإن من الصعب على المريض لفت انتباه الطبيب إليه لسماع شكواه أو الإجابة عن أسئلته واستفساراته، ومن الصعب على الطبيب امتلاك القدرة على الاستماع وحل الإشكاليات والتفكير البنّاء حال انشغاله بالنظر إلى الكومبيوتر واستيعاب تفاصيل المعلومات المتعلقة بمريضه والمعروضة على شاشته». وأضافوا: «لا يقضي الطبيب وقتا أقل في النظر إلى المريض والتواصل معه فحسب، بل إن المريض أيضا ينظر معه إلى شاشة الكومبيوتر سواء كان المريض يستطيع أو لا يستطيع حينها رؤية الشاشة وما هو معروض عليها أو فهم أي من ذلك». يعنى أننا بعبارة أخرى ندخل في ما يمكن أن يسمى «حوار الطرشان».

الباحثون قالوا إن نوعية هذه البحوث يمكن أن تسهم في إيجاد فرص لتحسين طريقة تعامل الطبيب مع مريضه عند استخدامه للكومبيوتر خلال زيارة العيادة، وفرص لتحسين تصميم أنظمة أفضل للعرض الإلكتروني لمعلومات المريض الصحية.. ولكن قبل الوصول إلى ذلك، ربما تحسين الاستفادة من وقت الزيارة عبر وضع نظام لتهيئة الطبيب بمعرفة المعلومات المتعلقة بمريضه قبل دخول المريض إليه كي تجري الاستفادة من الوقت بأمثل طريقة للاستماع إلى المريض وفحصه وتفهيمه خطة معالجته وكيفية متابعتها وغيرها من أركان عملية الزيارة الطبية الناجحة في العيادة.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]