قالها لكم «زغلول»

TT

حديثنا اليوم مختلف.

أقرأ هذه الأيام كتاب اسمه «المعاصرون»، مؤلفه هو علامة الشام محمد كرد علي، رئيس المجمع العلمي بدمشق، الذي تأسس 1919، حتى وفاته 1953. فيه يتحدث عن معاصريه من العلماء والشعراء، ممن ربطتهم به معرفة شخصية، مثل شوقي والبارودي والرصافي واليازجي والمعلوف والكرملي... وغيرهم. ولفتني ترجمته لفقيه القانون ورجل العلم، أحمد فتحي زغلول، الشقيق الأكبر لسعد زغلول، قائد ثورة المصريين 1919.

أنقل لكم من الكتاب:

قال الفقيه القانوني زغلول في مقدمة كتاب «سر تقدم الإنجليز السكسونيين» لمؤلفه إدمون دي مولين، الذي ترجمه من الفرنسية إلى العربية: «ضعفنا حتى أصبحنا نرجو كل شيء من الحكومة، فهي التي نطالبها بحفظ حياتنا وخصب أرضنا وترويج تجارتنا وتحسين صناعتنا، هي التي نطلب منها أن تربي الأبناء وتعلم الفقراء، وترزق العجزة، وتنفي أسباب البطالة، وتحفظ الأخلاق وتلم شعث العائلات، وتجمع أشتات القلوب، هي التي نطالبها بتعويض ما نقص من إرادتنا وتقويم ما اعوج من سيرنا وسيرتنا، ورد هجمات المزاحمين عنا، والسهر على مصالح كل واحد منا، فإذا تأخرنا في عمل من تلك الأعمال بإهمالنا، رميانها بسوء الإدارة (...) وألقينا عليها تبعة خمولنا».

يستدرك: «لا ريب أننا بهذا الزعم قد ضللنا السبيل، فإنما الحكومة وازع لا يكلف إلا ما اقتضته طبيعته، وشأن الحكومات في الأمم تأييد النظام وحفظ الأمن وإقامة العدل».

علق على هذا الكلام العلامة كرد علي بالقول: «فيه مثال من حكم القاضي العادل على قصور أمته». (ص 99). أما قائل هذا الكلام أحمد فتحي زغلول فقد توفي 1914. وهو من رموز القانون والفقه والعلم في مصر. وضع لائحة إصلاح الأزهر ولائحة إصلاح المحاكم الشرعية. قال فيه عبد الخالق ثروت، من علماء مصر وقضاتها: «نبغ في المعقول والمنقول». وقال عنه الفقيه والمؤرخ محمد الخضري بك: «كنا نجلس إليه وقد محصنا المسألة تمحيص من يريد النزول إلى الميدان ومباهاة الأقران (...) فلا نلبث أن نرى ذلك السيل الدافق وقد رجعنا إلى أول مرحلة من مراحل البحث».

في نفس الكتاب (المعاصرون) ترجم علامة الشام لصديقه شاعر النيل حافظ إبراهيم وذكر طرفا من قصص الصداقة وظرافة حافظ المعروفة، ثم توقف عند نظرات حافظ - وهو شاعر الشعب - في السياسة والمجتمع وأحوال المصريين، في شعره. من ذلك قصيدة يخاطب بها السلطان حسين كامل (ص 192) متحدثا عن مصر والمصريين:

أرى شعبا بمدرجة العوادي / تمخّخ عظمه داء عقام

إذا ما مر بالبأساء عام / أطلّ عليه بالبأساء عام

سرى داء التواكل فيه حتى / تخطف رزقه ذاك الزحام

قد استعصى على الحكماء منا / كما استعصى على الطب الجذام!

هلاك الفرد منشؤه توان / وموت الشعب منشؤه انقسام

لعلم شاعرنا العظيم، فقد حل الطب معضلة الجذام.. وبقيت معضلة المجتمعات مستعصية على الحكماء.. والسفهاء أيضا.