إدمان الحوار واللااتفاق

TT

المصالحة الفلسطينية، تحولت إلى شعار شعبي فلكلوري أحبه الناس، واعتنقوه وصار واحدا من لازمات الخطب وحتى الأغنيات.

وحب الناس لهذا الشعار، مفهوم ومبرر، فمن هو الذي لا يحب رؤية فلسطين وقد توحدت، ذلك أن الموروث الشعبي يعتنق فكرة أن أحد أسباب ضياع فلسطين هو الانشقاقات الداخلية بكل أشكالها وتبريراتها، ومن هنا يمكن فهم الولع الشعبي بشعار المصالحة.

غير أن صناع الانشقاق، الذين يزايدون على الناس في الحديث عن مساوئ الانقسام ومزايا الوحدة، لم يجيبوا بعد عن السؤال البديهي.. ما دمتم تدركون ذلك، فلماذا إذن فشلت كل محاولات إنهاء الانقسام رغم مرور سنوات طويلة عليه؟!

لا شك أن لدى مقاولي الانقسام إجابة متكررة حول هذا الأمر، وفي حالة من هذا النوع يصبح تكريس الانقسام مغلفا بحديث كثيف عن المصالحة، وأحيانا بالذهاب إلى حوار يُصوّر على أنه مضمون النجاح قبل أن يبدأ، إلا أنه يصبح مستحيلا حين ينفض.

وبين الحوار الأخير - لمن لا يزال يتذكر - والحوار المحتمل، جرت في النيل مياه كثيرة، وتتابعت على فلسطين أزمات أكثر، وانزلقت غزة من اقتصاد الأنفاق إلى اقتصاد التنقيط في الحلق.

وفوق هذا الرصيد السلبي، ظهر ما هو أخطر وأصعب... فمصر التي هي المتنفس الوحيد لغزة، حمّلت فاتورة حماس على فاتورة الإخوان ولهذا تداعيات تعرف أوجاعها حماس أكثر من غيرها.

ورغم كل هذا المؤلم والموجع.. ما تزال حماس تطرق الأبواب القديمة عديمة الجدوى، إذ تعالج فشل الحوار بمزيد من الحوار، وتعالج العجز عن تقديم الاستحقاقات التي تخفف المأساة إن لم تستطع إنهاءها، باللعب على عامل الوقت لعل الزمن يوفر حلا يأتي هكذا.. بفعل تطورات متخيلة.

إن كلمة السر التي يمكن وبالكاد أن تفتح باباً حقيقياً للخروج من المأزق، تتجسد في جملة مفيدة مطلوب من حماس أن تعلنها، ثم تتخذ الترتيبات العملية التي توفر مصداقية لالتزامها بها، هذه الجملة عُرضت على حماس في مكة، ولم تستجب لها في ذلك الوقت. كان إعلان حماس الالتزام بما التزمت به منظمة التحرير كفيلا بوضع قطارها على السكة، مع توفير إمكانات فعلية لإنقاذ غزة من التدهور، والقضية السياسية الفلسطينية من التلاشي، ولأن اتفاق مكة لم يقم على أساس سياسي متين فسرعان ما انهار بل تطورت الأمور إلى ما هو أسوأ حيث شهدنا انقلابا وانفصالا كيانيا بين مكونات الوطن والمجتمع الواحد.

والمعضلة التي تتجسد الآن، تبدو في أن ما كان متاحا أيام مكة، أصبح مشكوكا في جدواه في أيامنا هذه، فلا حماس تملك قدرة على قول هذه الجملة كي لا تتحمل مسؤولية سنوات طويلة من التدهور الناجم عن سوء الأداء السياسي، ولا العالم يمكن أن يأخذ ما يقال هكذا وببساطة بل إن الشروط ستكون الآن أقسى من شروط الزمن الأفضل، وفي حال مجازفة حماس بإعلان الالتزام بما التزمت به المنظمة فإنها ومنذ اليوم التالي ستخضع إلى اختبار شديد القسوة للتأكد من صدق التزامها.

يقال: إن السيد إسماعيل هنية طلب من عباس أن يساعده في وقف الحملة المصرية الشرسة ضد حماس والتي وصلت الآن إلى أروقة القضاء، كما طلب إرسال الإطفائي عزام الذي لا ماء في إطفائيته للبدء في جولة جديدة شعارها «تعالوا إلينا تجدوا ما يسركم».

السؤال... ماذا بوسع عباس أن يفعل لحماس؟

حماس ترى أن الرئيس عباس هو الرئيس الشرعي ولكن لمهمة واحدة فقط، هي حمل كتف معها في مواجهة الحملة المصرية.. أما ما دون ذلك فاسألوا الزهار ما هو تعريفه لعباس ولفتح؟ كان بوسع عباس أن يقول لمهاتفه أوقفوا الحملة عليّ أولا حتى أجد مسوغا منطقيا للتفكير في أمر حملة مصر عليكم.

عودة إلى عنوان مقالتي هذه إدمان الحوار واللااتفاق لأخلص إلى جملة مؤسفة بقدر ما هي حقيقية...

صار الحوار إدمانا.

واللااتفاق سياسة.

وليكن الله وحده في عون غزة وفلسطين.