جمائل أميركا وأخواتها في البئر الإسرائيلية

TT

ها هم الإسرائيليون وبالذات بعض أهل الحكم ورجال الدين المؤثرين والأحزاب التي تحترف التعصب والعنف، يعضون الأيادي الأوروبية تواصلا مع جولات من العض للأيادي الأميركية.

ومثلما قال العضاضون عن وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي يحاول ومن دون أن يخفف من مستوى التعاطف مع إسرائيل في موضوع المسعى الذي يقوم به لإنهاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، أقسى أنواع الكلام، فإنهم ألحقوا التهجم على رئيس الدبلوماسية الأميركية بالتهجم على الحكومات الأوروبية.

عن كيري، الذي قام حتى التهجم عليه بعشرين جولة، قال وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعالون «إن وزير الخارجية جون كيري يتصرف انطلاقا من هوس في غير محله، وحماسة تبشيرية، ولا يستطيع أن يعلمني أي شيء عن النزاع مع الفلسطينيين، وإن الأمر الوحيد القادر على حل الوضع مع الفلسطينيين هو في حال منح جون كيري جائزة نوبل ليتركنا بسلام..».

مباشرة بعد هذا التهجم بساعات استدعى وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان سفراء كل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، وقال لهم إن موقف بلادهم ليس مقبولا ويثير شعورا بأنهم فقط يبحثون عن ذرائع لتوجيه الاتهامات إلى إسرائيل. وكان رئيس الوزراء نتنياهو نفسه وصف الانتقادات الأوروبية للتوسع الاستيطاني بأنها «تتسم بالنفاق».

هذا التصرف يثير الاستغراب من عدة نواح؛ فهو يوضح أن الحكومة الإسرائيلية بذئابها الثلاثة، نتنياهو وليبرمان ويعالون، ومعهم وزير الاقتصاد نفتالي بينيت، تلتقي عند نقطة واحدة هي رفض أي مسعى للتسوية حتى إذا جاء من الحاضنين التاريخيين (الإدارة الأميركية والحكومات الأوروبية). كما يوضح أمرا أساسيا وهو أن وزير الدفاع يعالون، الذي ليس مألوفا منه إقحام نفسه بتصريحات حول أمور ذات طابع دبلوماسي ما دام هنالك وزير خارجية، يخطط لترؤس الحكومة على نحو ما حدث مع الجنرالات السابقين إسحق رابين وآرييل شارون وإيهود باراك، وأنه عندما يتهجم على رئيس الدبلوماسية الأميركية فإنه يبدو في ذلك كمن يجرب كفاءته أو يعرض بضاعته السياسية. بل لعله ما دام التهجم تزامن مع انطفاء عميد مرتكبي المجازر آرييل شارون يبعث من خلال مفردات التهجم برسالة مفادها أنه جاهز ليكون شارون الثاني، أي بما معناه لا مجال أمام أي تسوية، وأن على الوزير جون كيري أن يطوي السعي الذي يقوم به ويصطف إلى جانب المبعوث الأميركي الخاص جورج ميتشل الذي حاول في عام 2009 اقتباس الحل الذي أسهم في إنجازه في آيرلندا الشمالية وتطبيقه بالنسبة إلى موضوع المستوطنات، ثم أشبعه الإسرائيليون استهانات إلى حد أنه آثر طي هذا المسعى الذي هو كما المسعى المتجدد مع وزير الخارجية جون كيري وأيضا الموقف المتعقل من جانب الاتحاد الأوروبي، إنما هي محاولات من أطراف حاضنة وداعمة لإسرائيل ماضيا وحاضرا ودائما، لكن الإسرائيليين لا يتحملون أي مسعى يضع بعض الحق في نصابه.

ونقول ذلك مع الأخذ في الاعتبار أن الإطار الذي يطرحه جون كيري ومع ذلك تتهجم عليه إسرائيل (في أشخاص أصحاب المناصب السيادية، نتنياهو ووزراء الدفاع والخارجية والاقتصاد) ينص على إقامة دولة فلسطينية «بلا معابر أو حدود أو عاصمة مع بقاء الكتل الاستيطانية والاعتراف بإسرائيل دولة يهودية»، على نحو ما يقوله أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه. وإذا كان هذا ما يقترحه الوزير كيري ومع ذلك تنهمر التهجمات عليه، فكيف هو حاله لو أنه يريد الوصول بسعيه إلى وضْع المبادرة العربية للسلام موضع التنفيذ؟ وهي المبادرة التي صاغها الملك عبد الله بن عبد العزيز، وحظيت بالإجماع في القمة العربية الدورية في بيروت.

نخلص إلى القول إن إسرائيل تريد من كيري 2014 أن يكون مثل كيري 2004 الذي كان مرشحا لرئاسة الجمهورية ضد جورج بوش الابن وغازل زمنذاك الناخبين اليهود أملا في الفوز الذي لم يتحقق، قائلا «إنني خلال عشرين سنة في مجلس الشيوخ كنت فخورا بالتزامي غير المتزعزع بدولة يهودية آمنة، وانعكس ذلك في كل قرار تم التصويت عليه وفي كل رسالة تم توقيعها، وإنني أضمن لكم أن هذا الدعم وهذه الجهود لصالح حليفتنا الديمقراطية والحيوية سوف يستمر».

بين الأقوال المأثورة والأمثلة الشعبية في تراثنا وتراث أمم أخرى ما يلخّص حالة جون كيري والحكومات الأوروبية مع إسرائيل، ومنها المثل القائل «يشرب من البئر ويرمي فيها حجرا».

وبالنسبة إلى إسرائيل فإنها على مدى أكثر من ستة عقود تعبُّ من البئر الأميركية - الأوروبية عبا مواقف سياسية وأموالا وأسلحة و«فيتوات» واحدا بعد الآخر، وعند أول لفْت انتباه لها ترمي في البئر حجارة هي عبارة عن قاذورات كلامية. ومع الأسف يلقى ذلك دائما التفهم عملا بالمثل القائل «ضرْب الحبيب زبيب».. أي أن مفردات الشتيمة الإسرائيلية في حق أصحاب الجمائل الأميركيين والأوروبيين سهلة البلع لدى هؤلاء، كما لو أنها بحلاوة العسل، فيما الحكمة والحنكة والمطالب المحقة العربية دائما غصة في الحلق.