بأمر الملك: السعودية تحاصر الإرهاب

TT

أمر تاريخي من ملك عظيم. يواجه التحديات ويرسم المستقبل ويحمي الشعب ويعزز استقرار الدولة. صدر الأمر الملكي في 3 فبراير (شباط) 2014 وتضمن عقوبات تتراوح بين ثلاث سنوات وثلاثين سنة لمن يشارك في قتال خارجي أو يحرض على ذلك بأي شكل من الأشكال.

عانت المملكة العربية السعودية والشعب السعودي من الإرهاب طويلا، وهي تعتبر من الدول الأولى على المستوى الدولي في التصدي للإرهاب، وقد خاضت معه معارك عنيفة ومواجهات شرسة على مدى عقود من الزمن، فقد واجهت الإرهاب القومي العروبي واليساري في الستينات والسبعينات، وواجهت الإرهاب بصيغته ذات الطابع الشيعي تحت مظلة شعار الثورة الإسلامية في إيران في الثمانينات بقتل الحجاج في حج عام 1986 وتفجيرات المعيصم عام 1989، ومنتصف التسعينات في تفجيرات الخبر عام 1996، كما واجهت الإرهاب بصيغته ذات الطابع السني في أحداث احتلال الحرم المكي الشريف عام 1979، وفي التسعينات في تفجير العليا 1995، ثم اشتعلت المواجهة في ما يشبه الحرب المفتوحة منذ تفجيرات غرناطة 2003، حتى نجحت نجاحا باهرا في القضاء على خطر التنظيم داخليا وانتقال مركز قوته إلى الخارج. غير المواجهة العسكرية والأمنية، فإن انخراط أعداد ذات أهمية من الشباب السعودي في كثير من الحروب والصراعات شكل هاجسا للقيادة السعودية، منذ أفغانستان التي كانت البداية وكانت تحف بها تحديات دولية ومخاطر استراتيجية على السعودية، وما بعدها، فقد أخذ الشباب السعودي يتهاوى في مواطن الاضطراب في الصومال والجزائر كما في البوسنة والهرسك وفي الشيشان، ثم مع طالبان أفغانستان، ثم انطلاقا من السودان للتفجيرات في نيروبي ودار السلام نهاية التسعينات، ثم الانطلاق من أفغانستان للمشاركة في أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) في الولايات المتحدة، والعديد من الأحداث المشابهة وصولا إلى العراق ما بعد 2003، ثم سوريا اليوم وتنظيمات الإرهاب هناك.

ظل بعض الشباب السعودي ينخرط باستمرار في تنظيمات عنف ديني كانت أسماؤها تتغير بحسب الزمان والمكان، وكان لا بد لهذه الظاهرة أن تعالج من جذورها وأن تقوم الدولة بحماية مواطنيها وشعبها من هذا الاستنزاف المستمر لطاقات شباب الوطن وإمكاناته.

جاء هذا الأمر الملكي والسعودية تقود العالم العربي في ظل تحديات دولية واهتزازات في مراكز القوى في العالم، وفي ظل صراعات دولية وإقليمية، ومن يعرف حجم وتعقيد هذه المخاطر لا بد أن يدرك أن هذا الأمر الملكي جاء ليبني رؤية واستراتيجية جديدة ليتحمل هذه المسؤوليات الجسام المنوطة به. وهو يأتي بعد ثلاث سنوات دامية ومليئة بالاضطرابات والاحتجاجات في عدد من جمهوريات العالم العربي تحت اسم ما كان يعرف بـ«الربيع العربي» الذي منح فضاء رحبا لتفشي جماعات الإسلام السياسي وجماعات الإرهاب الديني، كما لانتشار تيارات استقرار الفوضى التي تعادي استقرار الدول، مما أوجب على السعودية أن تأخذ موقفا حازما تحمي به الدولة وتحمي المواطن.

إن شراسة وضخامة هذه التحديات تملي على السعودية أن توحد جبهتها الداخلية، وأن تفرض هيبة الدولة، وألا تسمح لأي مخرب «كائنا من كان»، بحسب الأمر الملكي، أن يؤثر عليها.

حماية الشعب واحدة من أهم مهام الدولة، وحمايته من الأعداء الداخليين لا تقل أهمية عن حمايته من الأعداء الخارجيين. فالتحريض لا يقل خطرا عن المشاركة والتنفيذ، ومن هنا فإن الشرائح المستهدفة في هذا الأمر الملكي من الجماعات والأحزاب والتيارات والرموز التي تتبنى التطرف الديني أو الفكري، يجب أن تعيد النظر في خطابها وآيديولوجياتها وولاءاتها العابرة للحدود.

عند سن الدساتير أو القوانين أو الأنظمة الجديدة عادة ما تخرج فئة ترفضها وتحاول مقاومتها، وهي غالبا فئة تابعة وإن انتمى لها بعض المشاهير، والحزم في التعامل مع هذه الفئة بفرض القانون وتطبيقه يجنب الدولة الكثير من الجهد في مواجهة فئات أكبر أو أخطر.

إن إعلان توجه الدولة ومصالحها وغاياتها كفيل بحشد الدعم الشعبي اللازم لرسم سبل الخلاص، وهو كفيل بتشتيت الأعداء الخارجيين والخصوم الداخليين، ذلك أن أغلب الناس يحتاجون إلى أن يعرفوا الخطة الشاملة التي تتجه إليها الدولة بما تزيله عنهم من ضباب الرؤية وتضارب المواقف وسيطرة الحيرة.

منح الأمر الملكي فسحة من الوقت للمراجعة. فأولا: لن تتم المحاسبة بأثر رجعي، وثانيا: ثمة فرصة طويلة منحت منذ أمد وفرصة جديدة مدتها ثلاثون يوما للمراجعة وتعديل المواقف تبدأ من نشر هذا الأمر الملكي في الجريدة الرسمية «أم القرى».

الغالبية من الشعب السعودي من غير المتورطين في مثل هذه الجرائم التي نص عليها الأمر الملكي رحبوا به وابتهجوا وأشعرهم بالأمان، فكثير من الأسر والعوائل والآباء والأمهات الذين قتل أبناؤهم أو أولئك الذين يخشون أن يتم التغرير بأبنائهم كانوا يأملون دائما بإيجاد حل يطمئن قلوبهم ويبدد مخاوفهم، وأمر طبيعي أن يشعروا بالارتياح بعد تكفل الدولة بحمايتهم.

ثمة من يطرح طروحات للتشغيب على الأمر الملكي، أهمها:

أولا: أن هذا الأمر حين تطبيقه قد يضطر بعض التيارات المعلنة إلى أن تتجه للعمل السري وربما المسلح تحت الأرض. وهذا أمر جيد حين يتخلص المجتمع من «التحريض» العلني بشتى أنواعه، فذلك يختصر الطريق إلى الحل لتصبح المواجهة مع عدو صريح، وقد نجحت السعودية من قبل في ذلك، منذ حركة جهيمان وصولا لتنظيم القاعدة.

ثانيا: أن هذا الأمر سيخلق «مكارثية» جديدة. وهذا غير وارد من الأساس، فالسعودية لم تكن يوما مكارثية، ولكن حقها الطبيعي أن تدافع عن نفسها وعن مصالحها وعن مواطنيها، وعلى من يعتقد أنه في دائرة العداء للدولة والشعب أن يحترس.

ثالثا: أن الأمر الملكي فيه عموميات ومصطلحات تحتمل أكثر من تأويل. وهذا وهم يحاول البعض ترويجه على نفسه وعلى أتباعه فقط، فالأمر واضح والمقصودون به واضحون، وهو أشار إلى نظام سابق لتبديد أي لبس.

على العكس من هذه التشغيبات، فقد جاء الأمر الملكي ليضع النقاط على الحروف.. من كان مواليا لإيران وجماعاتها المتعددة في شتى البلدان، ومن كان مواليا لجماعات الإسلام السياسي والإخوان المسلمين، ومن كان مواليا لجماعات الإرهاب، ومن في حكمهم، ستتم معاقبتهم بقوة الأمر الملكي والدستور والنظام.

أخيرا، إن موازين القوى في المنطقة لم تعد تحتمل المزيد من العبث، وعلى العابثين والمغرضين أن يتبصروا مواضع أقدامهم.