تفضيل الكلاب

TT

علاقة الإنسان بالحيوان معقدة ومتعددة.. خوف وحب، نفع وضر، دلال وقسوة، قاتل ومقتول. هناك حيوانات مقدسة في بعض الثقافات الإنسانية، وهناك حيوانات مدنسة.

تسمى البشر بأسماء الحيوان، وسميت بها أبراج السماء، وشوامخ الجبال، وقيعان الأودية. لو اعتمد الإنسان فقط على قواه المادية الجسدية، لخسر النزال مع الأسد والفيل والدب والفهد والنسر. فقوة أظفاره وأسنانه واهية أمام مخالب الليث وأنيابه، ووزنه وعضلاته كما الريشة أمام الفيل، وقدرته على الشم كمن هو بلا أنف مع الدب، وسرعة عدوِه حتى ولو كان من أبطال الأولمبياد، تجعله كالتمثال أمام وثب الفهد، وبصره كمن يخبط خبط عشواء في ليل بهيم، عند حدة بصر النسر وبقية الجوارح.

الكلب من هذه الحيوانات له علاقة خاصة بالإنسان، فهو حارس الدار، وحامي القطيع في المرعى، وهو الوفي لصاحبه، وبوفائه تضرب الأمثال، لكنه في ما سوى هذا مختلَف عليه، تقديسا وتدنيسا.

للكلاب مشاركة في كل أحوال الإنسان، ومنها الحروب، وقد نشرت حركة طالبان الأفغانية أخيرا، كما نشره «العربية نت»، مقطع فيديو يظهر كلبا قيل إنه يتبع قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) بأفغانستان، وهو برتبة عقيد، الأمر الذي أثار سخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي. هذا الكلب العقيد، استحق الجدل حوله، فبعد ظهور فيديو طالبان، قال البنتاغون إن «الكلب يتبع حلف الناتو»، وأكدت المتحدثة باسم «الناتو» أن حضرة العقيد تابع لقوة «إيساف»، بينما نقلت شبكة «سي إن إن» الأميركية عن مسؤول عسكري أميركي، أن الكلب الأسير لدى طالبان يتبع الجيش البريطاني.

الكلب هنا قام بمهمته المطلوبة منه في ساحة الوغى، ووقع في الأسر مقداما، وهذا بحد ذاته يحسب له ولمن يقاتل من أجلهم.

الكلب لا يميز بين عقيدة هذا الطرف أو ذاك، مبدأ هذه الجهة أو تلك، ملة هذا الجانب أو ذاك، لا يهمه من هو المبطل والمحق، طالبان أم الأميركان والناتو، فهذه شؤون البشر، هو فقط يعرف الإنسان مجردا من كل انتماءات، فإن أحسن إليه هذا الإنسان، بادله الوفاء ولو بالروح. هذه الصفة الموغلة في رد الجميل لدى الكلاب لم ينتبه لها الغربيون فقط، بل انتبه لها المسلمون والعرب مسبقا، فلدينا كتاب شهير في التراث اسمه «فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب»، لأبي بكر محمد بن خلف بن المرزبان (ت 309هـ)، اسمه كاف في بيان محتواه!

ومما اشتهر في هذا الصدد مديح الشاعر العباسي علي بن الجهم للخليفة المتوكل، قبل أن ترقق حاشيته الرصافة:

أنت كالكلب في حفاظك للود

وكالتيس في قراع الخطوب

القصد أن العلاقة بين الإنسان والحيوان في بعض جوانبها ليست كلها علاقة تفوق واستعلاء، فليت الإنسان يستعير من وفاء الكلب، وصبر النمل، وتنظيم النحل. ما يفعله البشر فيما بينهم الآن، لا يفعله الحيوان.. نحن هنا نصف ولا نشتم.