لجنة الأمر الملكي

TT

الأمر الملكي الأخير في السعودية ضد جماعات الإرهاب والتطرف، لحظة مهمة، ليس سعوديا فقط، بل إسلاميا ودوليا.

السعودية هي حاضنة الإسلام، مقر الحرمين، تدشن محاربة، ليس الإرهاب فحسب - فهذا يحارب فعلا منذ أكثر من عشر سنوات - بل «التطرف» الديني.

نعم، الإرهاب يحارب فعلا في السعودية من خلال معارك مفتوحة مع تنظيم القاعدة منذ أول تفجير استهدف الرياض في مايو (أيار) 2003، وقبله تفجيرات «العليا» في الرياض 1995. وخاضت السعودية منذ 2003 حربا أمنية وإعلامية واجتماعية مع مجاميع «القاعدة»، والمؤيدين لها في الداخل والخارج، حتى صارت السعودية الهدف الأول لهذه التنظيمات، وكلنا يسمع ويرى تصريحات قادة «القاعدة» في اليمن مثل الريمي والوحيشي، في توعد الدولة السعودية، وأن حرب «القاعدة» مع «الصليبيين» لن تلهيهم عن حربهم مع السعوديين، كما قال أبو هريرة الصنعاني «قاسم الريمي» أخيرا.

«القاعدة» في كل مكان؛ من سوريا إلى أفغانستان والعراق والصحراء الكبرى، تؤكد دوما في إعلامها أن هدفها هو إسقاط السعودية. وفي المقابل، الملك عبد الله في ذروة المواجهة مع الإرهاب قال: «سنواجه هذه الجماعات ولو لـ30 سنة».

لا جديد إذن في مواجهة الإرهاب. المثير للانتباه في هذا الأمر التأسيسي، والحري بالتركيز عليه، هو مواجهة الجماعات «المتطرفة».

ينص الأمر الملكي الواجب النفاذ على منع: «الانتماء إلى التيارات أو الجماعات - وما في حكمها - الدينية أو الفكرية، المتطرفة أو المصنفة كمنظمات إرهابية داخليا أو إقليميا أو دوليا، أو تأييدها أو تبني فكرها أو منهجها بأي صورة كانت».

لتحقيق هذا الغرض، نص الأمر الملكي على تشكيل «لجنة» من الجهات المعنية، مهمتها إعداد قائمة - تحدث دوريا - بهذه المجموعات تعتمد من الملك.

هذه اللجنة ذات الوظيفة الحساسة والخطيرة هي «حجر الزاوية» في هذا التوجه المفصلي في السعودية. الحق أننا أمام حالة إعلان حرب على التطرف والمتطرفين، لكن المتطرفين ليسوا قلة محدودة، فلهم منابرهم ووسائلهم، وثقافة رعوها في المجتمع وتعاهدوها بالسقيا والعناية.

هذه اللجنة، وإن كانت وظيفتها تمس الأمن والسياسة بشكل عملي، إلا أنها قد تكون نواة لتدشين عمل استراتيجي علمي في السعودية، ونقطة انطلاق لتكوين باحثين ودارسين على طراز رفيع، لأن البحث في هذه الجماعات والتيارات يقتضي بالضرورة الفهم الدقيق في حقول البحث السياسي والاجتماعي والديني والتاريخي، وهذه أهم مجالات العلوم الإنسانية. العلم والفهم هما أمضى سلاح. يبقى الحذر الواجب في صيانة هذه اللجنة ممن يحاول الجنوح بها عن مسارها المرسوم لها من الملك، فربما يريد البعض ممن لا يسرهم مواجهة هذه الجماعات، أن «يناور» على الأمر من خلال تضخيم بعض الهوامش وإثارة بعض الضجيج لصرف الانتباه عن الهدف الحقيقي.

الأمر جلل، والتوجه كبير، واليقظة واجبة، حتى نجني من هذا الأمر كل ثماره وخيراته.