أوباما إلى الرياض: قمة الملفات الإقليمية الساخنة!

TT

«أوباما والسعوديون» كان هذا عنوان افتتاحية صحيفة «التايمز» البريطانية، التي أرادت أن تعطي أهمية كبيرة للقمة السعودية الأميركية المنتظرة، بعد إعلان البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي سيزور الرياض في النصف الثاني من مارس (آذار) المقبل للقاء خادم الحرمين الشريفين. وقد أبرزت الصحيفة مقطعا جاء فيه: «الزيارة إلى السعودية خبر طيب، يجب أن يطمئن أوباما السعوديين إلى أنه لن يهجرهم»!

«يهجرهم»؟ هذا التصوير ينطوي على خطأ مزدوج؛ أولا لأن السعوديين لا يتملكهم الذعر، بل الاستياء من التحول المتزايد في سياسات أميركا وفي قواعد نظرتها الاستراتيجية إلى الإقليم، وثانيا لأن أوباما لا يهجرهم بل يهجر مصالح بلده في منطقة طالما كررت واشنطن أنها «حيوية للأمن القومي الأميركي».

عندما اختار أوباما أزمة الشرق الأوسط لتدشين سياسته الخارجية على قاعدة «التغيير» الذي رفع شعاره، حرص على أن تكون السعودية بوابته الرئيسة إلى المنطقة، فزار الرياض في يونيو (حزيران) من عام 2009 قبل أن يصل إلى القاهرة لإلقاء خطابه الزهري عن الالتزام بقيام الدولتين، مذكرا بأهمية العلاقة مع السعودية للأمن القومي الأميركي، وبأن «مبادرة السلام العربية»، التي اقترحها خادم الحرمين الشريفين في قمة بيروت عام 2002 وأقرتها القمم العربية تباعا، تشكل قاعدة للتسوية العادلة.

الاضطراب المتزايد الذي أصاب أخيرا هذه العلاقات الاستراتيجية، جاء نتيجة تحولات سلبية في السياسة الأميركية إزاء مجموعة كبيرة من الملفات والتطورات العاصفة في المنطقة، ولهذا تبدو القمة المرتقبة بين أوباما والملك عبد الله مفصلية ومهمة جدا لتقويم الأمور.

من الواضح أن استياء السعودية من التحولات الأميركية وصل إلى درجة رفض المقعد في مجلس الأمن، وهو ما يمثل رسالة اعتراض على سياسات أوباما، المتهافتة على إيران رغم تدخلاتها التخريبية في الإقليم، والمتعامية عن مذبحة العصر في سوريا وحتى عن جريمة استعمال الكيماوي، والمتراخية في القضية الفلسطينية إلى درجة التسليم ببقاء الاستيطان وبيهودية إسرائيل، والمستسلمة لمصالح طهران التي تتلاعب بالعراق، والداعمة على ما بدا واضحا «لأخونة مصر» تمهيدا لتسليم المنطقة إلى الإخوان المسلمين!

تردد أن أميركا تريد الانسحاب من المنطقة لتواجه تحديات الصين في آسيا، ولكنها بدت عمليا وكأنها تعقد تحالفات وراء الجدران مع الإيرانيين، رغم كل ما يقال عن العداء بينهما، وخصوصا بعدما تبين أن تهافت أوباما على حسن روحاني وانفجار حماسته للاتفاق النووي أشبه بالقسم الظاهر من جبل الجليد، لأن الجانبين انهمكا لمدة ثلاثة أعوام في مفاوضات سرية، ولم تكلف الإدارة الأميركية نفسها عناء اللياقة بإبلاغ حلفائها التاريخيين في الرياض بما يجري، رغم مضي طهران في تصعيد تدخلاتها السلبية في البحرين والكويت والعراق وسوريا واليمن ولبنان، وبما يشبه السعي لإقامة حزام من الاضطرابات حول السعودية!

وسط كل هذا ارتفعت التحذيرات في المنطقة وفي أميركا أيضا، من تزايد التصدع في العلاقة بين واشنطن ودول «مجلس التعاون الخليجي»، وخصوصا السعودية التي تملك حيثية محورية كبيرة ومؤثرة على الصعد العربية والإسلامية والدولية، انطلاقا من مرجعيتها الدينية ومن دورها السياسي العميق وقدرتها الاقتصادية والنفطية الكبيرة.. وهكذا وضع تقرير مؤخرا على مكتب أوباما أعدته أجهزة المخابرات الأميركية (16 جهازا) يحذر من أن السياسة المتبدلة في المنطقة العربية ستنتهي إلى نتائج عكسية، وأن واشنطن مهددة بخسارة حلفائها العرب، ودول «مجلس التعاون الخليجي» قد تكون أول من يقرر الابتعاد عنها.

قبل عرض التقرير على الكونغرس كان مدير الاستخبارات جيمس كلابر، قد حذر من «أن عدم رضا دول الخليج عن السياسات الأميركية تجاه إيران وسوريا ومصر والعراق، قد تدفع تلك البلدان إلى خفض مستوى التعاون بشأن القضايا الإقليمية، وأيضا التصرف من جانب واحد في الأمور التي تتعارض مع المصالح الأميركية».

وهكذا مع إعلان البيت الأبيض عن زيارة أوباما إلى الرياض في الشهر المقبل لعقد القمة مع خادم الحرمين الشريفين، ظهرت مجموعة واسعة من التعليقات التي أجمعت على أن المطلوب من الرئيس الأميركي، تأكيد تمسكه بالعلاقات الاستراتيجية التاريخية التي تربط بين البلدين، فعندما يعلن البيت الأبيض رسميا أنه «يسر الرئيس أن يناقش مع الملك عبد الله العلاقات الدائمة والاستراتيجية بين الولايات المتحدة والسعودية، إضافة إلى تعاوننا لتطوير المصالح المشتركة المرتبطة بأمن الخليج والمنطقة والسلام في الشرق الأوسط ومكافحة التطرف وملفات أخرى»، على أوباما ألا ينسى أن الرياض تبقى بوابة الاستراتيجية في الإقليم والحيثية المحورية الأهم.