لا شيء أسهل من الانتقاد ولا شيء أسهل من إبراز العيوب، فجلد الذات أقصر الطرق لمواجهة ما يحصل من مواقف ولكن تبقى دائما مسألة إبراز مواقف من أجاد والثناء عليه نادرة وحمالة أوجه وتفاسير متضاربة ومختلفة. وكما يتم إبراز قصور من يؤدي دورا غير مكتمل فلا بد من الثناء على من أدى دوره بجدية وتميز على الأقل عملا بالقاعدة الشرعية «من لم يشكر الناس لم يشكر الله».
جاء إعلان مؤسسة «عمداء المدن» أو رؤساء البلديات، كما تُعرف، عن اختيار أمين محافظة جدة الدكتور هاني أبو راس ضمن قائمة المرشحين الأولية لجائزة أفضل بلدية في العالم لعام 2013. وهذا الاختيار اللافت مهم لأنه يأتي بعد سلسلة من المعايير الدقيقة والمقاييس الاستثنائية التي تدرس التميز في أسلوب القيادة والإدارة والتخطيط والرؤية والاستراتيجية والنزاهة والوعي الاجتماعي والاقتصادي والبيئي. والخبر مهم جدا لأن المهندس هاني أبو راس هو أول سعودي يتم ترشيحه لهذه الجائزة في تاريخها الطويل والمهم، ومعه بطبيعة الحال مجموعة أخرى من عدة دول؛ خمسة من القارة الآسيوية و13 مرشحا من القارة الأوروبية وخمسة من أميركا الشمالية ومرشح واحد من قارة أستراليا، وسيكون شهر مايو (أيار) القادم موعد تحديث القائمة ليعلن عن الفائز بالجائزة في يناير (كانون الثاني) 2015 بعد استكمال ثلاث جولات بين المرشحين للجائزة.
أعتقد أن كرسي منصب أمين محافظة جدة هو أحد أكثر الكراسي سخونة في المناصب العامة، لأن درجة النقد الموجهة إلى الجالس عليه غير مسبوقة لأي منصب آخر وكأن هناك ضوءا أخضر ومفتوحا لنقد أمانة محافظة جدة إعلاميا ولذلك يبقى أداء المسؤول دوما تحت المجهر وإن كان انتقاده عادة وغالبا ما يكون دون موضوعية كافية وحقيقية.
تسلم هاني أبو راس منصبه في ظروف أبسط ما يقال عنها إنها صعبة ومضطربة جدا. فجدة كانت تعاني من تبعات مأساة سيول الأمطار والكوارث التي تسببت بها على المدينة ككل، فالصدمة كانت كبيرة والعمل المطلوب لإصلاح ما تم إتلافه وتعويض النقص كان مهولا. عمل هاني أبو راس وسط هذا المناخ ودرجة الثقة في أمانة محافظة جدة قد بلغت مستويات دنيا غير مسبوقة وبالتدريج أعاد بناء جسور الثقة مع المواطنين والشركات والقطاعات المختلفة في المدينة وبالوقت تحولت جدة إلى أكبر ورشة عمل في السعودية، وكانت في وقت واحد تشهد أكثر من 56 مشروعا ما بين أنفاق وجسور وطرقات في كافة مناطق المدينة بالإضافة لمشاريع الإنارة وتصريف سيول ومياه أمطار والسدود المصاحبة لها وكذلك تشجير وزراعة الأرصفة وإنارتها بشكل فيه كم جميل من التصميم اللافت والذوق الجميل مع عدم إغفال سفلتة الطرقات وتحسين خدمات جمع القمامة وتطوير في آليات العمل الإداري بتحسين الأنظمة الإلكترونية وأتممة العمل بشكل تقني وحديث، وكذلك تطوير بعض الأنظمة واللوائح لتكون مناسبة للجمهور بأسلوب أفضل.
ورث هاني أبو راس تركة مهمة فيها الكثير من التحديات ومن المشاكل وبدأ يحاسب على تراكمات السنوات القديمة التي مضت بكل ما فيها من اليوم الأول لتسلمه منصبه. وتعرض لحملات من النقد والتشكيك وإطلاق الشائعات بأنه لن يستمر ويبقى في منصبه، وتعامل هو مع كل ذلك بهدوء وعقلانية وحكمة، وركز على المنجزات ومتابعة ما تم التخطيط له بعناية والعمل على التسليم المتكامل للمشاريع، مع مراعاة الالتزام بالشروط والمواصفات والمعايير وعدم تجاوز الميزانيات المالية المشروطة مسبقا. وها هي بصمات وعلامات وشواهد الإنجاز آخذة في الظهور والتكون لتتحول مأساة جدة الأزلية مع البنية التحتية ومكوناتها إلى قصة نجاح إدارية وتحويل كامل لما كان واقعا مأساويا إلى حالة ذهنية جديدة تكتب حروفها بالأمل والاطمئنان إلى مستقبل أفضل لمدينة عريقة ومهمة.
ولذلك عندما يأتي اختيار مؤسسة «عمداء المدن» لشخصية إدارية شابة من المملكة العربية السعودية، فتلك مسألة مهمة لأنها تعيد الأمل في الإيمان بقدرات الشاب السعودي متى ما أعطي الفرصة وتم الرهان عليه وعلى قدراته وعلى كفاءاته بجدارة وإيمان، وهي مسألة مهمة ومطلوبة في بلد يبذل جهودا عظيمة في قطاعات مهمة ومتنوعة كلها تصب في مصلحة رفع مستوى التعليم والفرص والتدريب لجيل الشباب الذي يشكل غالبية سكانه وأمله في مستقبل أفضل.
نجاح هاني أبو راس وترشيحه لأهم جائزة عالمية في مجال عمله شهادة على أنه من الممكن تحقيق الإنجاز وسط سوداوية الواقع وصعوبة التحدي.