أوباما المتردد يتلطى بـ«الفيتو» الروسي

TT

ردت الخارجية الروسية بحزم على تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي اتهم موسكو بعرقلة مشروع قرار إنساني في مجلس الأمن حول سوريا، فقد اعتبر الناطق الرسمي باسم الخارجية الروسية الكسندر لوكاشيفيتش، في تصريح صحافي يوم 12 فبراير (شباط) الحالي، أن الرئيس أوباما يشوه موقف موسكو في هذا الموضوع.

منذ انطلاقة الثورة السورية حالت موسكو دون تمرير أي قرار حول سوريا، واستخدمت موسكو حق النقض «الفيتو» أربع مرات في مجلس الأمن، بوجه كل المحاولات الدولية لمنع تمرير أي قرار يدين نظام بشار الأسد، أو يجبره على تغيير مسلكه أو حتى تخويفه، أو التلويح بمعاقبته جراء استخدامه المفرط للقوة، الذي وصل إلى مستوى الإبادة الجماعية، والخراب العمومي في العمران والتراث الحضاري.

تسعى موسكو للحصول على الشرعية الدولية، لاعتمادها أساسا لأي تدخل دولي في الشؤون الداخلية للدول، وتواظب على التدقيق في نصوص ومفردات القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، لأن قيادة الكرملين لا تسمح بأن تلدغ من جحر واحد مرتين، بعد اتهامها للدول الكبرى، بأنها فسرت القرار الدولي حول التدخل من أجل حماية المواطنين الليبيين في بنغازي، بطريقة مخالفة للمضمون والمعنى الذي صوتت على أساسه موسكو، ما أدى إلى تفسير آخر سمح لتلك الدول الكبرى أن تستخدم قرار مجلس الأمن لتأمين غطاء الشرعية الدولية، من أجل الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي، أهم حلفائها في شمال أفريقيا.

ويدرك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن العودة إلى توازنات الحرب الباردة صعبة جدا على روسيا التي لا تملك لا الأدوات ولا الإمكانيات لذلك، إلا أنه يرفض مطلقا العودة إلى أجواء التسعينات والسنوات الأوائل من الألفية الثالثة، حيث أذعنت موسكو لكل الإملاءات الأميركية، وتعطل دورها من خلال تجاوز واشنطن لقرارات وتوجهات الأمم المتحدة ومؤسساتها، في عدة مناطق وقضايا ساخنة، بهدف فرض حلول لأغلب الأزمات الدولية من خارج أطر الأمم المتحدة ومجلس الأمن، الذي كان بمثابة الفرصة الوحيدة التي تعتمد عليها موسكو بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وتحتفظ من خلالها بمقعدها المهزوز على الخريطة الدولية.

وتعي موسكو جيدا أن الوصول إلى تسوية في الأزمة السورية بات ملحا جدا، وهي لا تستطيع الاستمرار طويلا في تعنتها، إلا أنها رغم صلابة مواقفها الظاهرية، ومكابرتها ودفاعها المستميت عن الأسد، وما تسبب لها به ذلك من تشويه فعلي لصورتها، وجعلها عرضة لانتقادات شديدة على المستوى الدولي، وقد ظهر ذلك جليا في مؤتمري جنيف وميونيخ، وفي عودة الصحافة العالمية لانتقاداتها اللاذعة للدور الروسي في سوريا وأوكرانيا، فإن موسكو تعرف جيدا أنها لا تمتلك قرار الحل لا في سوريا ولا حتى في أوكرانيا لوحدها، ولا يزيد دورها عن دور شريك مضارب يمكن أن يتحول إلى هامشي، في أي لحظة تؤمن فيها إيران جوائزها المرجوة من أميركا.

وحتى اللحظة ورغم كلامه الذي يقرب من أن يكون كلاما لشخصية أكاديمية أو فكرية أو زعيم لحركة حماية البيئة «الخضر» وليس رئيس الدولة العظمى، عاد الرئيس الأميركي إلى نفس المناورة، واللعب على الكلمات خلال مؤتمره الصحافي المشترك مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في واشنطن، ما يؤكد استمرار ميوعة الموقف وعدم وضوح الرؤية الأميركية حول سوريا ومستقبلها، ما يعني الرضى الضمني باستمرار النزيف والقتل، الذي كانت وما زالت روسيا شريكا أساسيا في رعايته وتمويله والرغبة في استغلاله.

قد تتمكن روسيا من تعطيل أو إرباك أي تحرك دولي، من أجل تحقيق حل فعلي وعادل في حق الشعب السوري، إلا أن تراجع الرئيس أوباما أو تردده جعل الكرملين في موقع مواجهة غير متكافئة مع المؤسسات الأميركية الصلبة؛ (الخارجية، الخزانة، الدفاع، الأمن القومي، المخابرات، وخاصة الكونغرس)، الذين وإن لم يستطيعوا دفع الرئيس أوباما أو إقناعه بالتحرك أو اتخاذ قرار المناسب، لما يعتبرونه مصالح الأمة الأميركية وموقع أميركا الذي لا يجوز بالنسبة إليهم أن يتردد أو يتراجع، إلا أن هذه المؤسسات الحاكمة الفعلية، لن تسمح لهذا التقهقر والتذبذب الأوبامي، بأن يتحول لفرصة تغتنمها موسكو لفرض شروطها.

وفيما تقود واشنطن حربا دبلوماسية حدودها الضغط السياسي على النظام السوري، هادفة بالدرجة الأولى حماية أمن إسرائيل وطمأنتها، تستخدم موسكو كل ما لديها من أدوات سياسية وعسكرية وعلاقات ومصالح دولية، وخصوصا مع تل أبيب التي تحرص على أمنها أيضا وبقوة لا تقل عن قوة الحرص الأميركي، من أجل حماية ما تبقى لها من مصالح على ساحل المتوسط، وهي تستخدم مجلس الأمن دون تردد من أجل ذلك، ما يسمح لباراك أوباما بالتلطي خلف الفيتو الروسي، لتبرير تراجعاته عن قرارات يتخذها بسرعة ويلغيها بسرعة، متوافقة مع إلحاح لفظي على إسقاط النظام ورئيسه.

إن كلا من الطرفين يعي بأنهما متمسكان بحل سياسي، لأزمة يستحيل الوصول إلى حل لها عن طريق السياسة فقط، لأن النظام السوري لا يفهم إلا لغة السلاح.