إبراهيم دبدوب: مسيرة نجاح !

TT

أعلن بنك الكويت الوطني مؤخرا عن تقاعد الرئيس التنفيذي للبنك إبراهيم دبدوب بعد مسيرة مصرفية ناجحة واستثنائية فاقت مدتها 53 عاما، تولى خلالها وبامتياز، الإدارة التنفيذية حتى حوله إلى أحد أهم المصارف في العالم وأكثرها أمانا واستقرارا وصاحب التصنيف الائتماني الأعلى.

ولعل الشهادة «الرقمية» كانت كافية، وهي تلك التي جاءت على لسان رئيس مجلس إدارة البنك محمد عبد الرحمن البحر الذي قال: «إن أرباح البنك ارتفعت من 20 مليون دينار كويتي عندما تولى دبدوب الإدارة في عام 1983، لتصل إلى أكثر من 308 ملايين دينار في 2005».

ولكن الإنجاز الأهم والأدق والأخطر كان إبان أحداث وتبعات الغزو العراقي الغاشم للكويت واحتلاله له واستيلائه على كافة مرافق الدولة، وعقب ذلك الأمر الدقيق تولى إبراهيم دبدوب إدارة شؤون البنك من فرعه بلندن، والذي تحول مع الوقت إلى ما يشبه وزارة المالية الكويتية ينفق من خلاله على الكثير من الأمور والمتطلبات والالتزامات الحكومية، طبعا مع الحفاظ على وضعية عملاء البنك والاهتمام بطلباتهم وحساباتهم في ظروف أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها شديدة الصعوبة في ظل غياب البنك المركزي للبلاد والفرع الرئيس للبنك وغياب الموظفين والفروع.

ومع كل تلك التحديات استطاع إبراهيم دبدوب العبور بالبنك الوطني (بل أكاد أقول بالاقتصاد الكويتي نفسه) إلى بر الأمان بمهارة قبطان عبقري، وقد تطلب أمرا من أمير البلاد للسماح له بالعودة للكويت بعد تحريرها باعتباره مواطنا فلسطينيا، وذلك بعد توتر العلاقات بسبب موقف ياسر عرفات المؤيد للغزو، وكان أول فلسطيني يسمح له بإذن الأمير بالعودة، وهذا طبعا يفتح مجالا للحديث إذا لم يكن رجل بقامة وإنجازات وأخلاق ومكانة، بل ووطنية إبراهيم دبدوب يستحق الجنسية فمن الذي يستحق؟

إبراهيم شكري دبدوب مواطن مسيحي فلسطيني، وقانون التجنيس الكويتي يشترط للمجنس أن يكون مسلم الديانة أو مضى على اعتناقه الإسلام مدة خمس سنوات، علما بأن هذا الشرط جديد ولم يكن موجودا في قانون الجنسية الكويتية الأصلي الصادر في نهاية سنة 1959، وهو القانون الذي وضعه الجهبذ القانوني الكبير عبد الرزاق السنهوري.

طبعا، تحول موضوع منح الجنسية في الكويت إلى جدل برلماني مستمر، والجدل يدور حول هل الجنسية حق مكتسب ما دامت قد تحقق لطالبها مدة إقامة طويلة في البلاد وسجل طالبها خال من الجرم وحسن السيرة والسلوك؟ أم هي منحة تمنحها الدولة لمن «تراه» مستحقا لها و«تختار» هي ذلك بطوعها؟

ارتقى هذا الرجل بجده وجهده وإخلاصه وتفانيه منذ بدايته البسيطة والمتواضعة كسكرتير إداري لمجلس الإدارة في عام 1961، ومن وقتها وهو يضع بصماته في كل منصب يرأسه وعلى كل مسؤولية يتولاها بجدارة واقتدار. وقد قاد البنك في أكثر من أزمة وليست أزمة اجتياح العراق للكويت الوحيدة، فالكويتيون لا يزالون يتذكرون «إنقاذه» للبنك من أزمة سوق المناخ التي أدت إلى انهيار مالي هائل في العقار والشركات والمصارف بسبب القروض المتعاظمة والديون الكبرى، وكان دوما إبراهيم دبدوب يحذر ويقول: «إننا مقبلون على كارثة غير عادية»، ولكنه كان الصوت العاقل الوحيد، وهو طبعا صوت لا ينصت إليه في ضجيج الفوضى، ولكن بعد مرور العاصفة الكارثية ثبت أن البنك الوطني الكويتي بقيادة إبراهيم دبدوب هو البنك الوحيد الذي لم يتأثر من تلك المصيبة المالية المرعبة.

إبراهيم دبدوب في أيامه التي قضاها لا يوجد تكريم لم يحصل عليه عالميا. كل المؤسسات والمجلات المتخصصة منحته الأوسمة والألقاب والتكريم اللائق ليضع اسمه بأحرف من ذهب كأحد أهم المصرفيين العالميين في التاريخ الحديث، ولكن بقي التكريم «المناسب» في البلد الذي عرف تألقه ونجاحه؛ شارع باسمه، ميدان باسمه، جامعة أو كلية إدارة أعمال باسمه، مع ضرورة حصول «استثناء» في منحه الجنسية، لا أفهم مواقف بعض الناس في تكريم من يعطي وينجز ويتألق ويبرز، وبعد ذلك نتعجب لماذا يهاجر الشباب إلى الغرب ناشدين الكرامة والحرية والإحساس بالسوية الطبيعية.

إبراهيم دبدوب الذي شرفت بلقائه والتعرف على شخصه ومتابعة إنجازاته بإعجاب شديد، زرع في نفسي ونفوس الآلاف الآخرين الذين عرفوه، نموذجا للرجل الناجح في إنجازه وعلاقاته الاجتماعية وتميزه العلمي وحضوره الإنساني، مما يجعله معززا مكرما في نفوس كل من عرفه، وقد يكون ذلك وحده أعظم وأهم تكريم من الله لمن أجاد وأنجز في عمله بإخلاص وتفانٍ.