الميثاق الوطني البحريني.. عهد جديد

TT

جاء ميثاق العمل الوطني في البحرين لكي يرسخ حقيقة تاريخية وحضارية عن البحرين، في أنها أخذت دورا متميزا منذ منتصف القرن الماضي، ولذا فيوم 14 فبراير (شباط) 2001 يمثل مرحلة جديدة من تاريخ البحرين المعاصر، وذلك عندما طرح ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، مشروع ميثاق العمل الوطني في البحرين والذي يعد وثيقة تاريخية، احتوت على مبادئ عامة وأفكار رئيسة، الهدف منها إحداث تغييرات جذرية في منهج العمل والأداء، وتحديث سلطات الدولة ومؤسساتها، ولقد أجمع شعب البحرين على هذا الميثاق إذ بلغت نسبة الموافقة عليه 98.4 في المائة، ومثل هذا الميثاق قاعدة انطلق منها المشروع الإصلاحي الذي أطلقه ملك البحرين، وشمل إحداث تغييرات جذرية في الجوانب السياسة والاقتصادية والاجتماعية.

البحرين أيضا دولة بارزة ومرموقة بين دول مجلس التعاون الخليجي، بسبب وجود نسبة كبيرة من المتعلمين وخريجي الجامعات، علاوة على ما فيها من مختلف الأنشطة والفعاليات الثقافية. ويرجع الفضل الأكبر في هذا إلى إدخال التعليم النظامي في البحرين في وقت مبكر، والذي بدأ في العقد الثاني من القرن العشرين. ومثلت البحرين في فترة الاستعمار البريطاني، عاصمة الثقافة في منطقة الخليج العربي. أضف إلى ذلك أن موقع البحرين كجزيرة في وسط الخليج العربي ساعد في تطور البحرين كمحطة مرور (ترانزيت) وزيادة النشاط التجاري، والذي لعب دورا مهما ودالا في ارتفاع المستوى المعيشي للشعب البحريني.

ويأتي احتفال البحرين بميثاقها هذا العام، متزامنا مع انطلاق الحوار الثالث، وهذا يؤكد أن ملك البحرين تميز بالحلم وسعة الصدر مع من تسمي نفسها «المعارضة» التي ليست مهتمة الإصلاح والتوافق، إنما لديها أجندة خارجية تمليها عليها جهات هدفها زعزعة نظام الحكم في البحرين، وهي من تداعيات ما حدث في المنطقة وخصوصا في العراق، ومما يؤسف له أن اشتركت دولة كبرى في هذه المؤامرة. وتعامل النظام في البحرين مع هذه «المعارضة» بأسلوب راق قدمت فيه البحرين للعالم نموذجا لكيفية التعامل مع الطرف الآخر. ولست هنا في هذا المقال بصدد تقليب المواجع التي مرّ بها شعب البحرين، ولكن بصدد إعطاء صورة لا يعرفها الكثيرون عن البحرين، حيث إن البحرين رغم قلة مواردها الاقتصادية، مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي وصغر مساحتها والنمو المتزايد والسريع، فإنها حققت إنجازات على مستوى التنمية البشرية، وأوجدت لها بنية تحتية قوية من الخدمات السكانية والتعليمية والصحية والخدمات العامة تضارع الدول التي تمتلك موارد اقتصادية أكثر منها، حيث على مستوى تنمية العنصر البشري يجد المواطن منذ ميلاده، خدمات صحية وتعليمية واجتماعية مجانية على مستوى متميز، إضافة إلى أن البحرين يمثل فيها المتعلمون وخريجو الجامعات الداخلية والخارجية، نسبة كبيرة وتجدهم يعملون في كل مرافق الدولة، والمواطن البحريني العادي يعمل حتى في المهن البسيطة، وتوفر الدولة المسكن اللائق والرعاية الصحية وفرص العمل لكل مواطن. وتقدم هذه الخدمات حتى للمقيمين على أرضها للعمل من الدول العربية والأجنبية. ويوجد في البحرين أعلى نسبة تعليم للمرأة في العالم العربي. ومتوسط عمر المرأة المتوقع في البحرين هو نحو 76 سنة، وهو عمر مرتفع بالمقارنة مع الدول المتقدمة. ومن الحقوق الأخرى التي تتمتع بها المرأة في البحرين هو حقها الكامل في الانتخاب والتصويت والترشيح في الانتخابات المدنية والبرلمانية.

وإذا ما جئنا إلى التغييرات السياسية، فإن المشروع الإصلاحي الذي أطلقه ملك البحرين شامل، بدءا بالإصلاح السياسي في عام 2001 لدفع وتشجيع المجتمع ومواكبة قوة التغيير العام. وتكون هذا الإصلاح السياسي من تأسيس برلمان مكون من مجلسين، البرلمان الأول هو مجلس النواب عن طريق الانتخاب، وله وظائفه القانونية والتشريعية، ومن حق المرأة التصويت فيه والترشح له. والبرلمان الثاني هو مجلس الشورى بالتعيين، ويمارس وظائفه الاستشارية مع النواب المؤلفين من الخبراء والمتخصصين في مختلف المجالات، وتحقيق وترسيخ سيادة القانون واستقلالية المحاكم من خلال اللوائح والهيئات التي يحددها الدستور. تحدد هذه اللوائح الهيئة التشريعية التي تتخصص في التنازع والمقاضاة حول دستورية القوانين والإجراءات والمحاكمة العامة، ومراقبة وبحث الفصل بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية. مراقبة الحرية الشخصية والمساواة بين المواطنين، وكفالة وضمان الحقوق الأساسية، مثل حرية المعتقد وحق العمل والمشاركة في الشؤون العامة في المجتمع.

وجاء المشروع الإصلاحي لملك البحرين لكي يمثل رؤية شمولية لا تقتصر على الجانب السياسي، إنما تغطي كافة الجوانب الأخرى، ففيما يتعلق بجانب العدالة الاجتماعية، فلقد جرى إقامة المؤسسة الملكية الخيرية التي تعتني بفئات خاصة في المجتمع مثل الأرامل والأيتام والأسر الفقيرة والمعاقين، وتعتني المؤسسة بكل ما يتعلق بشؤون هذه الفئات، من أجل مساعدتهم والعمل على إدماجهم في المجتمع، لكي يكونوا أفرادا منتجين وتتبع هذه المؤسسة الديوان الملكي مباشرة، ويشرف عليها الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة الذي يقوم بدور كبير في المجتمع البحريني.

وتتزامن مناسبة الميثاق هذا العام مع بدء الحوار الثالث، الذي دعا إليه ملك البحرين، وهذا يؤكد حجم مساحة الحرية التي أعطاها الملك لـ«المعارضة» ولم يشهد بلد في العالم هذا الكم من الحوار، ولجنة دولية لتقصي الحقائق. ويتساءل المواطن العادي وما جدوى الحوار، إذا كان الطرف الآخر الذي يطلب الحوار يمارس أعمال الشغب والتخريب على شوارع البحرين، أي معارضة تلك، فبعد أن قدم لهم عاهل البحرين مشروعا وطنيا متكاملا لم يلتزموا بالعهد والميثاق، وانكشف الأمر في المؤامرة التي فشلت بتاريخ 14-2-2011. إنهم أرادوا من البحرين أن تصبح عراقا آخر، والآن بدأوا يرفعون الراية البيضاء، وما حدث ذلك إلا بسبب الأوضاع الإقليمية.

والحقيقة الأهم التي يجب أن تعرف، هي أنه عندما يطلق عاهل البحرين حمد بن عيسى دعوته للحوار الوطني وللمرة الثالثة في البحرين، إنما هي تأكيد على سلامة الموقف الذي تسير عليه في البحرين، وعلى النهج الذي اختطه قائد البحرين منذ مجيئه للحكم، والذي بدأه بمشروعه الإصلاحي الذي يهدف منه لإيجاد المجتمع المدني، الذي هو بدوره له جذوره في البحرين، ومن جانب آخر يجب أن تعي جميع الأطراف التي سوف تشترك، أن للحوار ثوابته الوطنية التي لا مساس بها، أولها وأهمها أنه ليس هناك أحد من شعب البحرين من يساوم على عروبة البحرين وشرعية النظام السياسي القائم في البحرين، الذي ارتضى به الشعب وعبر عن ولائه له، والذي ظهر جليا وواضحا في الأحداث الأخيرة التي مرت بها البحرين، وتبلور في تجمع الوحدة الوطنية الذي بدوره كان الرقم الأصعب، الذي لم تستطع الأطراف التي وقفت وراء الأحداث اجتيازه أو تجاهله، وهي تعلم تماما أن أي إقصاء لهذا الطرف عن الحوار، بأي شكل من الأشكال، يعني فشلا للحوار قبل أن يبدأ.