لا يوجد سوى القهوة والشاي في جنيف 2

TT

جنيف2 نجح حتى الآن في أمر واحد وهو تعزيز الشرعية الدولية لنظام بشار الأسد. النظام ظهر على شاشات التلفزة مفاوضا عنيدا ومراوغا كالثعلب، مدعوما بالقوى الأكثر نفوذا على الساحة؛ سياسيا بالروس وعسكريا بإيران. جنيف أو نيويورك أو موسكو أو كوكب المريخ، ما دامت الولايات المتحدة لم تغير من موقفها في الإبقاء على كفتي الميزان متساويتين بين النظام والجيش الحر، فلا تغيير حقيقيا ينتظر من هذه الاجتماعات التي أشغلت وسائل الإعلام في ملاحقة أخبارها، والوسيط الدولي كمتعهد الحفلات يطمئن على راحة ضيوف الطاولتين، في وقت لم يتوقف فيه القصف والتجويع والتهجير لحظة واحدة.

إنما الحقيقة المرة التي لا بد من الاعتراف بها أنه وللمرة الأولى يمكن أن نتوافق مع موقف وفد النظام بضرورة مكافحة الإرهاب كأولوية، قبل الحديث عن أي أمر آخر. الأسد نجح في تبديل أولويات الثوار من تحرير السوريين من النظام القمعي إلى تحريرهم من جماعات إرهابية فتح لهم بشار الأسد الحدود السورية ومكنهم من مواقعهم ليحلوا مكانه في مقاومة الثوار، ويحققوا نجاحات في الاستيلاء على مناطق استراتيجية، لذلك كلما هم أحمد الجربا بالحديث عن هيئة انتقالية بادره وليد المعلم بمكافحة الإرهاب أولا. الأسد يعلم أنه لن يعود الرئيس السوري كما كان سابقا، لكنه كالضرس المؤلم، اقتلاعه والخلاص منه يمر بأوجاع لا تنسى. لا توجد حالة شبيهة بالوضع السوري اليوم، لا أفغانستان ولا الصومال ولا البوسنة. سوريا أمست مغناطيسا لتجار السلاح والانتحاريين لأكثر من سبيل، من آسيا وأوروبا وأفريقيا، قدموا إلى سوريا ليس تحت جنح الظلام، ولا في غفلة من الرأي العام الدولي، بل تحت مرأى من استخبارات القوى العظمى؛ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والروس.

واشنطن مثل موسكو، انتهازية، وجدت في الأزمة السورية فرصة للخلاص من مشكلاتها العالقة، ظلت تلوح بالتدخل العسكري في سوريا، بغية ابتزاز الأسد ليسلمها سلاحه الكيماوي حتى فعل، وماطلت في الحسم بتعليق المساعدات العسكرية النوعية للجيش الحر لإطالة أمد الحرب، لتستنزف الموارد المالية لإيران، فتضطرها صاغرة لعقد صفقة ينتهي من خلالها مشروعها النووي، وقد حدث لها ذلك. أضف إلى ذلك أن واشنطن وضعت الفأس في رقبة الصنم «حزب الله»، وهو الآن يترنح ما بين جثث عناصره في معاركه ضد الجيش الحر، وما بين اختراق تحصينات مقراته في الضاحية الجنوبية، التي أصبحت مستباحة ومكشوفة بلا حول ولا قوة من الحزب، الذي ذهبت ريحه بين الضاحية في لبنان وسباق الضاحية في سوريا. فمن كان يصدق أن مناطق حزب الله تخترق للدرجة التي يقتل فيها مسؤولون إيرانيون الواحد تلو الآخر، في عجز كامل من الحزب عن حمايتهم.

هذه نجاحات كبيرة لم تحلم بها الإدارة الأميركية في هذا الوقت الوجيز، وإن جاءت بأثمان غالية ليس ضمنها حماية حقوق الإنسان السوري، وإنما تمكن جماعات إرهابية من التوغل في الأراضي السورية والعراقية تلقي بتهديداتها على الأردن وتركيا والخليج.

من المهم ألا ننسى في هذا المقام التذكير بأن إدارة أوباما انسحبت من العراق، مع علمها بأنه دولة موبوءة بتنظيم القاعدة وفروعه من التنظيمات التي خلفها الغزو الأميركي، ولم تكتف بالهرب من «القاعدة»، بل وفرضت على العراقيين رئيس حكومة يعد أحد أكبر الشخصيات الطائفية وأكثرهم تهيئة للزج بالعراق في أتون حرب شوارع لا منتهية. أي إن واشنطن في الواقع غير مكترثة بالإبقاء على الحالة السورية كما هي اليوم؛ أطراف متصارعة ينهكها الاقتتال في نهاية المطاف ليخرج كل منها ضعيفا غير قادر على بناء دولة قوية مجاورة لإسرائيل.

لا يوجد ما يدعو للتفاؤل في الحالة السورية سوى الأمل في صفقة ترعاها الولايات المتحدة مع دول الخليج، التي تتربص ببعضها «داعش» و«جبهة النصرة» كما جاهرت بذلك عناصرهما المسلحة. في غياب دافع يضطر الولايات المتحدة للتحرك لترجيح كفة الميزان، سيكون من الصعب أن نرى حسما لصالح الثوار أو نهاية قريبة لمآسي السوريين أو استقرارا في المنطقة.

[email protected]