الإمارات السعيدة!

TT

الإمارات العربية المتحدة، وتحديدا دبي، استضافت منذ أيام قليلة مضت مؤتمرا موسعا عن إدارة الحكومات، بمشاركة عدد مهم جدا من الكفاءات والخبرات اللافتة في مجال الإدارة العامة والحكومات من مختلف الخلفيات حول العالم، قدمت فيه الكلمات والأبحاث واستعرضت فيه التجارب والتصورات المستقبلية، كما قدمت فيه كذلك تقديرات لتطويع أدق وأكثر فعالية لخدمة المواطن عبر تطويع غير مسبوق للتقنية الحديثة. ولعل أكبر «قصة» تم تناولها وتكرر تداولها إعلاميا هي عزم حكومة الإمارات استخدام طائرات دون طيار لتوصيل كل المستندات الحكومية إلى المنازل، وهي مسألة طبعا نالت اهتمام المتابعين والمتواصلين على شبكات الإنترنت بشكل هائل لأنها تدخل في صميم «الخيال العلمي» المتأثر بالروايات المستقبلية والأفلام الهوليوودية.

وكم كان الشيخ محمد بن راشد، رئيس وزراء الإمارات حاكم دبي، نائب رئيس دولة الإمارات، لافتا وهو يختصر الكلام بما قل ودل، ويصهر كل الأفكار والأهداف والرؤى والوسائل في جملة واحدة فيها المعنى كله، عندما قال: «هدفنا هو إسعادكم»، وهو شعار عبقري. فما يحدث اليوم في الإمارات ودبي تحديدا هو أن الحكومة هي السقف المنشود، وتسارع للحاق بها شركات القطاع الخاص، وهي مسألة معكوسة، فالعادة دوما أن تكون الحكومات هي سبب كل شكوى وتذمر، وأنها دوما ما تكون عدة خطوات خلف طموحات وأحلام وآمال المواطن والمستثمر.. لكن في الإمارات ودبي على المواطن وعلى المستثمر الركض والبقاء على أتم الجاهزية والاستعداد والتهيؤ لملاحقة ومواكبة ما تقدمه الحكومة من تسهيلات وتذليل للعقبات، ومن سياسات وتشريعات مرحبة ومحفزة ومبشرة.

القمة الحكومية الأخيرة التي انعقدت في دبي كانت فرصة جد مهمة للتعلم والتعليم والاستفادة من خبرات التطوير في الأداء الحكومي ومحاربة الروتين والفساد واتباع سياسات تقييم وتأهيل للقطاعات والموظفين بالمؤسسات الرسمية. والأمل أن تكون هناك حوكمة رشيدة بالمعنى المطلق تفوق ما هو متبع لحوكمة الشركات، بل إن الإمارات العربية المتحدة أطلقت حكومتها مبادرة أشبه بالخيال تعد فيها بتقييم كل منشآتها الحكومية بأسلوب النجوم المتبع مع المنشآت الفندقية العالمية المعروفة، فيتم منح الدائرة المميزة خمس نجوم وغيرها أربع نجوم.. وهكذا.

وتعد المبادرة الحكومية الإماراتية بمثابة رفع لسقف التحدي والتوقعات، فهي تعد بأن تكون المؤسسات الحكومية لمن يراجعها بدقة البنوك في تعاملها وبرحابة الفنادق في تجهيزاتها واستقبالها وبجودة المستشفيات في حرصها، وهي جميعا وعود من النوع الصعب على الكثيرين استيعابه، لكن مع خبرة التجارب السابقة مع الإمارات ووعودها وخططها لم يعد من المجدي التشكيك فيها. ولعل ما يلفت النظر في التجربة الإماراتية هو سعي الحكومة الدؤوب إلى تذليل العقبات وإزالة الصعاب من أمام المواطن والمقيم والمستثمر في تعامل من باب نظرية اقتصاد العرض (Supply Side Economics)، الذي يقول باختصار إنك كلما ذللت العقبات وخفضت الرسوم وأزلت الروتين سيأتي إليك من يستثمر ويشتري عقارا ويزور ويستوطن، وستتحقق لك نتاج ذلك الأمر أضعاف مضاعفة من المداخيل التي كنت ستحصل عليها من جراء الرسوم والضرائب المحدودة جدا.

ما تأتي به الإمارات العربية المتحدة اليوم كنموذج حقيقي للحكم الرشيد الذي يؤمن الرخاء والأمن في طرح توافقي لكل من يعيش على أرضها يأتي كتوظيف مثالي للثروات والعوائد لها على المواطن ومن فيها، وهي المسائل التي لم تفطن إليها دول نفطية هائلة مثل العراق والجزائر وليبيا، لأنها اهتمت بأمور ثورية وعسكرية أخرى ولدت طغيانا واستبدادا وفسادا حوّل بلادها إلى ساحات ظلم ودم واقتتال وفتن، وهي مسألة يدرك معناها الكثيرون اليوم وبشكل مهم وحقيقي.

كانت الأساطير والقصص القديمة والروايات تمجد اليمن وتصفه باليمن السعيد نظرا لأن شعبه كان ينعم بالرخاء والنعم والحكم الرشيد ورغد العيش، وأعتقد أن سكان الإمارات بإمكانهم أن يقولوا ذلك اليوم ويفتخروا وهم يرون شركاتهم «تصدر» العلم والخبرة بنجاح وتألق إلى خارج حدودها مع توهج «طيران الإمارات» وشركة «اتصالات» وشركة «موانئ دبي» وغيرها، كل في مجاله الناجح والمميز، مما جعل الناس يطلقون عليها لقب يشعر به أهلها وكل من يزورها أو يقيم فيها وهو «الإمارات السعيدة».

ويبقى التحدي الأهم والأصعب هو المحافظة على هذا الإنجاز المميز، وهو ما جعل من مؤتمر الحكومة وإدارتها خطة طريق ترسم للمستقبل، لا حدود فيها للأفق ولا للخيال سوى الهدف الأعظم «هدفنا هو إسعادكم». مختصر مفيد.