غرام وانتقام

TT

كيف يتحول منتهى الحب إلى منتهى الكره والرغبة في إلحاق الأذى انتقاما؟

أبقاني هذا السؤال ساهرة ولم أصل إلى إجابة.

كنت اطلعت على خبر صغير مفاده أن امرأة محبة لزوجها تبرعت بإحدى كليتيها إنقاذا لحياته. وأنقذت الكلية حياته بأمر الله. وكان يمكن أن تسير بالزوجين مركبة الحياة ويزداد ارتباطهما واستقرارهما، ولكن الرياح لم تأتِ بما تشتهي السفن.

فبمَ أتت الرياح؟ أتت بامرأة أخرى. وبعد النظرة والابتسامة والسلام والكلام والموعد واللقاء قرر صاحبنا أنه لا حياة له من دونها، ونسي أن كلية زوجته وأم عياله استقرت في مكمنها تؤدي وظائفها الحيوية الضرورية لاستمرار الحياة.

علمتني الدنيا ألا أصدر حكما على إنسان آخر إلا إذا استطعت أن أتصور نفسي مكانه أفكر بعقله وأتنفس برئتيه. ولا شك أنني أستطيع أن أتصور نفسي مكان تلك الزوجة فأقول بصدق، إن الإحساس بالخيانة أشد فتكا من الإحساس بأي ألم آخر. فهل كان هول المفاجأة وراء ما قررته تلك الزوجة بالانتقام من زوجها؟ فهي وبعد طلاقها منه رفعت دعوى في المحكمة لمطالبته برد الكلية التي وهبتها له.

قد يتصور القارئ أنها مزحة أو ما شابه ذلك، ولكنها الحقيقة. ولا شك أن الزوجة كانت تعلم علم اليقين أنه لا قاضي ولا محكمة يمكن أن تأمر بفتح بطن الزوج الخائن واستئصال الكلية المطلوبة ووضعها في علبة بلاستيكية مربوطة بشريط ملون وتقديمها لصاحبتها مع الشكر.

هل كان الهدف لفت انتباه الحبيب الخائن إلى حجم التضحية التي لم يقدرها؟ أم كان الهدف هو بث الخوف في نفسه وإفشال مشروع الزواج الجديد؟ أم أنها قدمت شكواها ولسان حالها يقول: عليَّ وعلى أعدائي؟

قصة الزوجة التي طالبت بكليتها حيرتني لأنها تحولت من نموذج للتضحية بدافع الحب إلى نموذج للرغبة في الانتقام بلا فائدة ترجى من إلحاق الأذى بالمذنب. والسؤال الذي يلاحقني هو: ماذا كنت فاعلة لو أن ما حدث للزوجة حدث لي؟ وهل تتطابق انفعالات أي امرأة مع انفعالات تلك الزوجة مهما اختلفت الثقافة والدرجة الاجتماعية؟ وهل يمكن لرجل، أي رجل، أن يضع نفسه مكان تلك المرأة المكلومة فلا يصدر عليها حكما بنقص العقل والدين؟

والسؤال الأهم هو: هل الخيانة طبع؟ أم أن الخائن يقدم على فعل الخيانة لأنه يحتمي بشبكة أمان مجتمعية توحي له بأن يتجاوز أسوار المودة والرحمة إلى الجانب الآخر، حيث يبدو العشب أكثر اخضرارا، والأنيس أكثر شبابا أو أكثر جمالا؟

الإجابة عن تلك الأسئلة لن تجدي، وخصوصا أن تلك الأفعال وما ينتج عنها تتكرر من حين إلى آخر وتتناولها وسائل الإعلام ثم تنسى حتى حادث آخر. ما اختزنته ذاكرتي في هذا السياق حدث في الكويت منذ سنوات. فقد عزمت زوجة مقهورة على إشعال النار في خيمة أقيم فيها عرس زوجها على عروس جديدة. وارتفعت ألسنة اللهب إلى عنان السماء فمات من مات اختناقا وأصيب من أصيب بحروق بالغة. وألقي القبض على الزوجة، وأعتقد أنها سجنت. أما في الولايات المتحدة فلم تجد زوجة خانها زوجها عقابا أفضل مما يلي: جلست بهدوء وتؤدة وبيدها مقص قصت به بذلاته غالية الثمن إلى شرائط لا نفع لها. ثم صبت جالونين من الطلاء الملون الذي لا يمكن إزالته على سيارته الفارهة، ثم تبرعت لكل بيت من بيوت الجيران بزجاجة من النبيذ المعتق الذي كان الزوج الخائن يحتفظ به في قبو المنزل دليلا على الثروة والذوق الرفيع.

من صفاتي أنني لا أختزن الإساءة ولا يفقدني الغضب صوابي، وأنني لا أتنازل عن مبدأ أن الرحمة فوق العدل. ولكي يطبق هذا المبدأ لا بد أن تكون الرحمة هي المحرك للضمائر والقلوب.