شركات الخمس دقائق!

TT

في عالم الفنون والتحف والآثار دوما ما يكون الجدال قائما ومستمرا بشكل جاد على طريقة وأسلوب «تقييم» و«تثمين» السلعة المقصودة، فكيف للوحة عليها مجموعة من الألوان «غير المفهومة» تستطيع أن تجلب سعرا خياليا يفوق المائة مليون دولار مثلا؟ أو خزفية قديمة تعود لعهد أسرة «مينغ» الحاكمة العريقة في التاريخ الإمبراطوري الصيني أن يكون سعرها فوق الثلاثة ملايين دولار؟ أو أن يتم بيع خاتم من الزمرد بخمسة عشر مليون دولار كانت ترتديه إحدى نجمات السينما في هوليوود؟ وغيرها طبعا من الأمثال التي تشبهها وكل ذلك يقع في «خانة» نسبية وعدالة وسورية التقييم الممنوح ومدى «موضوعيته»! فهل هو ينظر إليه على أنه إبداع وإبهار ومهارة وإرث وحضارة وتراث وتاريخ أو ورق وألوان و«شخبطة» وخزف وحجارة و«أنتيكة»؟ الفرق كبير جدا في المفهوم بين الاثنين، وعليه فإن الهوة في المقارنة مهولة.

ونفس الموقف يحدث حينما يتم تقييم الشركات وتقديرها وقت بيعها أو الاستحواذ عليها من قبل شركة أخرى أو طرح أسهمها في اكتتاب عام بسوق البورصة يفتح الجدل لنفس الأسباب أيضا.

ويدور جدل هائل الآن في عالم الأعمال دوليا إذا ما كانت شركة «واتس آب» صانعة تطبيقات الهواتف الذكية المعروفة تستحق «قيمة» 19 بليون دولار وهو المبلغ الذي قامت بالموافقة على سداده شركة «فيس بوك» رائدة مواقع التواصل الاجتماعي المعروفة وذلك بدفع 4 بلايين دولار نقدا و12 بليون دولار مما قيمته من أسهم فيس بوك و3 بلايين دولار في أسهم مقيدة تدفع لصالح موظفي «واتس آب» خلال الأربع سنوات القادمة، ولكن هل «تستحق» و«تساوي» الشركة هذه المبالغ كقيمة اقتصادية؟

«فيس بوك» التي يبلغ عدد أعضائها اليوم 900 مليون وترغب في توسيع نفوذها على مواقع التواصل الاجتماعي وتكبير هوة المنافسة ضد الغير، تملكت منذ أمد ليس بالبعيد شركة «إنستغرام»، وهي شركة متخصصة في التواصل الاجتماعي «المصور» وعندما طرحت «فيس بوك» أسهمها للاكتتاب العام كان التلقي صادما ولم يتطور حراك السهم وتحسن سعره إلا لاحقا واعتبر من أهم الاكتتابات الأولية في سوق الأسهم التي كان استقبال السوق لها مخيبا جدا للآمال والطموحات والتوقعات.

ولذلك كان على «فيس بوك» أن تبحث وبسرعة على اسم آخر وقوي ومغرٍ وجذاب «مكمل» الحلقة الخاصة بالتواصل الاجتماعي وخصوصا في ظل وجود تقارير منتشرة تحذر من أن «فيس بوك» وصل إلى «سقف» توقعاته وأن هناك أعضاء فيه يتركونه ويرحلون إلى مواقع أخرى وخصوصا في أميركا الشمالية، بينما كانت دراسات سوقية محترمة تقول إن «الواتس آب» تحول إلى أهم وسيلة للتواصل الاجتماعي وأسرعها وأكثرها نموا واستخداما إلى أن تجاوز عدد مستخدميه اليوم 450 مليون مستخدم وهو رقم محترم جدا ومبهر وطبعا مغر، وهو ما يفسر سر إقبال «فيس بوك» عليه واصطياده بسرعة ودفع مبلغ «مبالغ فيه جدا»، ولكنهم يراهنون على المستقبل كما يبدو.

الشيء اللطيف والجدير ذكره في هذه القصة أن مؤسس «واتس آب» تقدم للعمل في شركة «فيس بوك» سنة 2009 ورفض لعدم كفاءته مما جعله يرسل رسالة «محبطة» لأحد أصدقائه ينعى ويندب حظه ويقول في الرسالة «لقد آن الأوان أن أعمل شيئا مختلفا» وقد كان له ما أراد.

ولكن يبقى السؤال قائما ومثيرا للحوار والجدل والأخذ والرد: «هل تستحق (واتس آب) القيمة التي دفعت لها»؟ وهو سؤال جدلي فلسفي إذا افترضنا حسن الظن التام هل «ثمن» كل شيء يساوي قيمته وهل نحن قادرون على تقييم كل شيء؟ فما هي قيمة العدل والحرية والأمان؟ وبالتالي في حالة «الواتس آب» ما هي قيمة «فرصة المستقبل»؟

الـ«فيس بوك» و«تويتر» و«الواتس آب» والـ«يوتيوب» و«غوغل» والـ«إنستغرام» هي كلها نماذج لشركات ولدت في «خمس دقائق» من عمر الزمن ولأن العامة راهنوا عليها أنها ستصنع المستقبل قيموها بالبلايين وهو أسلوب أقل ما يقال عنه إنه غير تقليدي.