الأوساط الطبية والتثقيف الصحي

TT

أثارت دراسة حديثة للباحثين من كليفلاند كلينك بالولايات المتحدة موضوع معرفة عامة الناس بأمراض القلب وتصرفاتهم في حياتهم اليومية وفق ذلك. وأفاد الباحثون أنه وعلى الرغم من أن أمراض القلب هي السبب الرئيس للوفيات في الولايات المتحدة، وفي كل أنحاء العالم بالنسبة للرجال والنساء، إلا أن نتائج الدراسة الإحصائية التي قاموا بتنفيذها أظهرت أن غالبية الأميركيين لا يبدون الاهتمام المناسب تجاه صحة قلوبهم ولا يتخذون أي خطوات تحميهم من الإصابة في المستقبل بتلك الأمراض القلبية، وأن غالبية الأميركيين لا يميزون بين ما هو ثابت علميا كحقائق عن أمراض القلب ومسبباتها وكيفية التعامل معها وبين ما هي أوهام غير ثابتة علميا.

ووفق ما نشرته كليفلاند كلينك في السابع من فبراير (شباط) الحالي، شملت شريحة البحث الإحصائي أكثر من ألف شخص من البالغين، وأظهرت النتائج أن 75% منهم ليسوا قلقين من احتمال وفاتهم بأحد أمراض القلب، وأن نحو 35% لا يتخذون أي مبادرات أو خطوات عملية في حياتهم اليومية لوقاية أنفسهم منها، وأنه حتى من بين مجموعة 40% منهم الذين لديهم تاريخ عائلي للإصابة بأمراض القلب، وهو ما يعني أن لديهم احتمالات مرتفعة للإصابة بها، فإن 26% منهم فقط يقومون بخطوات عملية لوقاية أنفسهم من أمراض القلب.

الدكتور ستيفن نيسن، رئيس قسم طب القلب بكليفلاند كلينك، علق بالقول: «أمراض القلب هي القاتل رقم واحد بالنسبة للرجال وللنساء، ومن المخيب للآمال رؤية أن غالبية الأميركيين غير مدركين خطورة عدم اتخاذ خطوات عملية للوقاية من الإصابة بها، وأيضا غير مدركين كيفية قيامهم بذلك. ومن الممكن جدا الوقاية من أمراض القلب ومعالجتها ولكن هذا يتطلب تثقيف الناس حول كيفية ذلك وكيفية تطبيقهم لتلك المعرفة في ممارستهم لنمط حياتهم».

كما لاحظت الدراسة، والتي هي جزء من حملة كليفلاند كلينك للتثقيف الصحي بعنوان «قم بحب قلبك» Love Your Heart، أن غالبية المشمولين فيها لا يعلمون كيفية تمييز الأعراض التي قد تظهر على المريض وتدل على احتمالات وجود أمراض قلبية لديه. وقال الباحثون: «نحو 64% من الأميركيين إما لديهم مرض في القلب أو يعرفون شخصا ما لديه مرض في القلب، وعلى الرغم من هذا فإن 70% من الأميركيين غير مدركين لجميع الأعراض التي قد تشير إلى وجودها لدى شخص ما».

وأضافوا بأن معلومات الناس عن الفيتامينات وعلاقتها بأمراض القلب ليست دقيقة، وفي كثير من الأحيان خاطئة، وعلى الرغم من أنه علميا لم يثبت أن أي نوع من الفيتامينات بإمكانه رفع مستوى صحة القلب، إلا أن نتائج المسح الإحصائي تشير إلى اعتقاد 44% منهم أن الفيتامينات قادرة على خفض الكولسترول وأن 66% يعتقدون خطئا أن تناول حبوب الفيتامينات يحمي من الإصابة بأمراض القلب.

وفي جانب ضرورة تقليل تناول كميات الملح والمصادر الأخرى المهمة لعنصر الصوديوم، فإن الباحثين لاحظوا أن 32% يعتقدون بشكل خاطئ أن «الجبنة» هي المصدر الأعلى للصوديوم، وأن 24% فقط يعلمون حقيقة أن الخبز والمعجنات هي أعلى في محتواها من الصوديوم.

ومن ناحية أخرى، أفاد 60% منهم أن أمراض القلب مرتبطة بنوع معين من الجينات، بينما في الحقيقة لم يتم علميا معرفة وتحديد نوع معين من الجينات التي ترتبط بارتفاع احتمالات الإصابة بأمراض القلب. وذكر الباحثون عناصر أخرى من معرفة أمراض القلب وتدني المعرفة بها وفق الحقائق الثابتة علميا والمفيدة عمليا للوقاية من أمراض القلب أو كيفية التعامل الأمثل معها.

الدراسة تثير ضرورة أن تكون جهود التثقيف الصحي للمرضى ولذويهم مفيدة على هيئة معرفة واضحة لدى المرضى وذويهم حول الأمراض. وعامة الناس بحاجة لتلقي تلك المعلومات الصحية من مصادرها الطبية عبر اهتمام الأوساط الطبية بالتواصل الجيد ونقل المعلومات الصحية إليهم أثناء زيارة المريض للطبيب في العيادة أو أثناء فترة الانتظار أو أثناء مناقشة الحالة الصحية للمريض وذويه وغيرها من الفرص الكثيرة التي يكون فيها المرء أكثر قابلية للفهم وتلقي المعلومة الصحية بطريقة مفيدة. وبالنتيجة، فإن هذه الملاحظات التي أظهرتها الدراسة هي محصلة لجهود الأوساط الطبية في جوانب التثقيف الصحي للمرضى وغير المرضى. كما أن ارتفاع مستوى المعلومات الصحيحة لدى المرضى والأصحاء هو مؤشر على نجاح جهود الأوساط الطبية، أما انخفاض مستوى معرفة المرضى وانخفاض مستوى مبادرتهم لاتخاذ خطوات عملية فهو الوجه الأخر لتدني مستوى تقديم التثقيف الصحي للمرضى والأصحاء.

* استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]