جثة ومحضر وكاميرا!

TT

حسنا فعل وزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف بأمره بالإيقاف والتحقيق مع الذين خالفوا مبادئ وقواعد وضوابط العمل الأمني، من خلال تصوير ونشر لقطة فيديو لمسرح جريمة قتل مواطن قبل أيام في العاصمة الرياض، واتهمت فيها الزوجة وشخص معها.

محضر الإقرار، وفيديو جثة القتيل، ومقطع فيديو حديث المتهمة وهي داخل سيارة الشرطة.. كلها خلال لحظات وجدت طريقها لمواقع «تويتر»، و«يوتيوب»، ناهيك بوسيلة «واتس أب».

بشكل شبه يومي تتسرب وثائق حساسة، ومحاضر تحقيق، ومعاملات سرية، وكشوف خاصة، إلى عالم الأونلاين، وكل يوم أجهزة الهواتف الذكية تقول: هل من مزيد؟

المصيبة أن من يقوم بهذا الاعتداء القبيح هم، أحيانا، مَن يعمل في الجهات التي تتصل بها مصالح الناس مثل المستشفيات والمدارس والبنوك وأقسام الشرطة. كيف يجري هذا؟ بسبب «شهوة» الاستعراض أمام الناس، وجلب الاندهاش. والغريب أنني قرأت خبر توجيه وزير الداخلية الآنف الذكر بفتح التحقيق، وتحته خبر آخر عن تفاصيل فيديو القضية!

المواعظ والتذكير الأخلاقي لا تكفي، ولو كانت كافية لما كانت الحاجة قائمة للتأديب والتفتيش الداخلي بكل أجهزة الدول في العالم. هناك دوما مَن يخون الأمانة، أو يستهتر بحرمة الناس. بسبب هوس البث والاندهاش بتطبيقات الإنترنت حدثت فوضى عارمة في التمييز بين الخاص والعام.

قبل فترة أعلن عن اعتزام السلطات السعودية، من خلال هيئة المرئي والمسموع، إصدار لائحة تحد من التصوير المنتهك لحقوق وخصوصيات الآخرين. حينها أيّدت هذا القرار بوضوح، رغم تذمر مدمني الإنترنت والهواتف الذكية، بحجة حرية الرأي، وهي في الحقيقة حرية الفوضى، إذ لو أن هذا المدافع عن هذه الحرية الفوضوية كان ضحية لتصوير متطفل على حادث سيارة لابنه، لعرف حينها معنى الاعتداء على خصوصيات الآخرين.

نظام الإجراءات الجزائية في السعودية نبّه على منع إفشاء أسرار التحقيق وأحراز القضية، ونصّ على عقوبة من ينتهك هذه الخصوصية حتى من المحققين.

وقد سبق صدور قرار مجلس الوزراء في 2006 بالموافقة على قواعد اختيار شاغلي الوظائف السرية، وهناك نظام «عقوبات نشر الوثائق والمعلومات السرية وإفشائها» مصدّق عليه بمرسوم ملكي، تضمّن عقوبات صارمة بحق من ينشر وثائق أو معلومات سرية أو يفشيها.. هذا كله موجود، لكنه يحتاج إلى التفعيل وتثقيف العاملين به، وموالاة التعاميم المتكررة، وإيقاع العقوبات على مَن ينتهك هذه القواعد.

كل شخص يعمل في جهات الضبط والتحقيق، وحتى الجهات المدنية والخاصة مثل المدارس والمستشفيات والبنوك، مثلا، يجب أن يعلم يقينا نوعية العقوبة التي تنتظره إذا أراد العبث بخصوصيات الناس ووثائق العمل.

الحادثة الأخيرة في جريمة مقتل الزوج السعودي، يجب أن تكون بداية الحزم لردع هؤلاء العابثين.. لذلك فحسنا فعل وزير الداخلية هنا.