عبد المحسن الحكير: قطاع مستحيل!

TT

كتبت لي فرصة المشاركة في أكثر من مناسبة مختلفة لتقييم مبادرات رجال الأعمال والحكم على إنجازاتهم بشكل علمي وموضوعي وذلك ضمن فريق مختار بعناية سواء أكان ذلك في وسائل إعلامية أو في مناسبات متخصصة برعاية وحضور مؤسسات تعليمية كبرى مثل جامعة MIT أو معهد ماساشوستس للتقنية كما يعرف باللغة العربية، وكنت شاهدا على وسائل وأدوات التقييم والقياس المختلفة التي يجري اتباعها في هذه الحالات ولذلك أصاب بالدهشة والاستغراب عندما أرى وأقرأ ما يجري نشره على صفحات الصحف والمجلات عن قوائم لأهم شخصيات أو أكثر الشخصيات تأثيرا أو أقوى شخصيات، إلى غير ذلك من العناوين الرنانة التي تتحدث وكأنها تقيم الأبطال الأسطوريين أو آلهة الإغريق، لأن كل من «يعمل» في هذا المجال يعلم تماما كيف تعد هذه القوائم وكيف تجهز والأثمان التي تجري مقايضتها من أجلها من باب المجاملة وغير ذلك وكل الغاية منها ما هو إلا لتمجيد أشخاص أو صناعة تاريخ «فوري» لهم.

ولعل المجال الأبرز الذي يغيب عن هذه القوائم هو «قائمة إنجاز العمر» أو ما يعرف باللغة الإنجليزية Life Achievement Award، فهناك من يستحق الإشادة بحق لأن ما صنعوه كان بحق إنجازا يستحق التقدير.

في السعودية كان لا يمكن أن تكون كلمة السياحة في ذات الجملة مع السعودية، لما في ذلك من تناقض ذهني، ومع ذلك أقدم رجل الأعمال السعودي عبد المحسن الحكير على «مغامرة» الاستثمار في القطاع السياحي، وبدأ في توظيف ماله في بناء الفنادق ومدن الملاهي الترفيهية.

أقدم على ذلك بهدوء أعصاب وتحمل الكثير من «الحرب» والتشكيك والتجريح والتوبيخ من أعداء النجاح ومن أحزاب التطرف والتشدد والتنطع بعد اتهامه بأنه يوظف ماله فيما لا ينفع وغير ذلك من الهراء، ولكنه تحمل بعقل وعمل بكل تفان وإصرار ونشر ثقافة مدن الملاهي وعممها بهدوء في معظم مدن المملكة، وراهن على ثقافة فنادق الأربع نجوم في السعودية على الرغم من أن الانطباع كان دوما يروج أن السعودية لن يكون فيها قصص نجاح إلا لفنادق الخمس نجوم، ومع ذلك تمكن من عقد علاقة استراتيجية مع إحدى أهم سلاسل الفنادق العالمية في هذا المجال وهي مجموعة فنادق «الهوليداي إن» التابعة لمجموعة الفنادق الدولية التي تمتلك أيضا فنادق «الإنتركونتننتال» وفنادق «الكراون بلازا»، وحرص دوما على عنصر الجودة والتوسع المدروس وبالتدريج دخل في الصناعات المساندة للمهنة بالتجهيز للمعدات والتدريب والتأهيل والتوظيف حتى يحقق الدائرة الكاملة للجودة المطلوبة بمهنية واحتراف وجدارة، وأسلوب إدارة الرجل هو مرآة لشخصيته وأخلاقه؛ فأسلوبه مراعاة الدقة والملاحظة الصغيرة قبل الكبيرة والاهتمام بالدقائق والتفاصيل تماما كأسلوب حديثه مع الكل وهندامه المميز والأنيق.

الرجل فرض احترامه حتى في حضوره الإعلامي والعقلاني والمؤتمرات والمنتديات ومن خلال ترؤسه مجلس الأعمال السعودي اللبناني في أحلك الظروف السياسية والأمنية حينما كان رأس المال السعودي يحارب علنا ويهدد، كان هو صوتا عاقلا حكيما يهدئ المخاوف ويبعث بالرسائل السليمة المطلوبة وسط مناخ مضطرب.

يروي لي أحد الأصدقاء العاملين في السياحة في مصر عن أهمية هذا القطاع بالنسبة لأرزاق الملايين من البسطاء وهو بكل بساطة يشبهه وكأنه مثلا أشبه بصدقة جارية تركت لكي يسترزق من وراء الآثار والطبيعة كل هذه الأسر المحتاجة، فالسياحة بالتالي باب رزق عظيم فيه الترفيه البريء والاستثمار والترويح المطلوب عن النفس.

وسط كل هذه الخلفية المعروفة عن صعوبة الاستثمار في المجال السياحي منذ سنوات قديمة لأسباب اجتماعية وثقافية وحتى اقتصادية يأتي ما أنجزه عبد المحسن الحكير مسألة تستحق الإشادة والتقدير والتكريم بسجل حافل من الطموح المحقق بكل تميز واحترام دون الترقب ولا الانتظار لمؤتمرات وقوائم تشيد به وتذكر ذلك، ولكن يكفي إشادة واحترام كل من عرف الرجل وتعامل معه، حيث بات يقال عنه بكل بساطة رائد الاستثمار السياحي في السعودية، في وقت كان مجرد التفكير في جملة مثل هذه ضربا من الخيال إذا لم نقل إنه من باب الطرائف.

عبد المحسن الحكير أصبح رجل قطاع الاستثمار السياحي في رحلة عمر ناجحة.