ولي العهد السعودي في باكستان واليابان

TT

جولة ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز الآسيوية لثلاث دولٍ مؤثرةٍ هي باكستان واليابان والهند ذات أهمية كبيرة، فهي جولة تؤكد عناية المملكة العربية السعودية بتقوية علاقاتها بجميع دول العالم وعدم الاقتصار على جهة محددة أو دولة بعينها.

تأتي هذه الزيارة امتدادا للاهتمام السعودي بدول الشرق والرغبة الأكيدة في بناء علاقات متينة وتبادل تجاري وفتح فرص الاستثمار وترقية وتعزيز هذه العلاقات في كل المجالات بما يخدم المصالح المشتركة بين السعودية وتلك البلدان.

توجه ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز شرقا يأتي على خطى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي سبق له أن اتجه شرقا إبان ولايته للعهد ثم ملكا في 2006. وانتهت زيارة باكستان واليابان وتبقت الهند.

المحطة الأولى كانت في باكستان. العلاقات السعودية - الباكستانية عميقة في التاريخ منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز، وقد بدأت حتى قبل استقلال باكستان وقبل إنشاء منظمة الأمم المتحدة، وتواصلت بعدهما وتصاعدت، وباكستان الدولة والحكومة والجيش والشعب يمتلكون قدرا كبيرا من العلاقات الاستراتيجية والمصالح المشتركة والود والتقدير للسعودية، ويعرفون حجم المكانة الدينية التي تمتلكها، وحجم التأثير السياسي الذي يمكن للسعودية أن تقوم به في العالم الإسلامي.

دور السعودية في العالم الإسلامي أوجب عليها الوقوف مع باكستان في كثير من المراحل الحرجة في تاريخها فقدمت لها الكثير من الدعم السياسي والاقتصادي والمادي والخيري، وكانت العلاقات بين البلدين قد أخذت بعدا أكثر عمقا منذ الملك فيصل ومحمد علي جناح، وقد أسهمت الدولتان في رفض الاحتلال السوفياتي لأفغانستان نهاية السبعينات وعقد الثمانينات، وهو الذي لم يكن يخفي طموحه التوسعي في الوصول إلى المياه الدافئة في الخليج، وقد كان حلفاؤه حينها يحيطون بالسعودية من كل جانب في الجنوب، حيث اليمن الجنوبي الشيوعي، كما في الغرب، حيث إثيوبيا والصومال الشيوعيتان، وفي الشمال كذلك حيث بعض الدول العربية التي ترتبط بعلاقات وطيدة مع السوفيات. إن من الخطأ الحكم على الأحداث التاريخية بمعايير معاصرة، فلكل زمن ظروفه ومعطياته الخاصة التي ينبغي قراءته من خلالها، ومن يرتكب ذلك الخطأ يتبع ما كان يسميه العرب «الرأي الدبري»، وهو أن يزعم البعض بعد نهاية الأحداث أنه كان متبصرا بنتائجها قبل أن تحدث. ومن الخطل قياس قرارات الدول بقرارات الجماعات أو مواقفها بمواقف الأفراد.

المحطة الثانية كانت في اليابان. أشار رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في كلمته في العشاء الذي أقامه تكريما لولي العهد إلى قدم العلاقات السعودية - اليابانية، وأنها تمتد لأكثر من مائة عام حين قام مسلم ياباني بأداء فريضة الحج وقام بتكرارها مرتين بعد قيام الدولة السعودية الثالثة في الثلاثينات، وهو ما تعزز بإقامة العلاقات الرسمية بين البلدين عام 1939 ولم يزل في تطور مستمر.

تأتي زيارة ولي العهد ضمن الصراع الكبير الذي يشهده العالم، ومنطقة الشرق الأوسط بشكل أساسي، ومن هنا كان الحضور القوي لملفات مثل الأزمة السورية والإرهاب ضمن أهم الملفات التي طرحها ولي العهد السعودي مع كبار المسؤولين في البلدين، كما أنها زيارة تهدف لتعزيز الحراك السياسي السعودي الجديد في المنطقة الذي يبدو مبنيا على أسس جديدة وفعّالة، وعلى الرغم من كل التحديات فهو يبدو تحركا مرسوما ينشد النجاح والتأثير.

في لحظات الاضطراب والتغيرات الكبرى في السياسات الدولية والإقليمية تحتاج الدول لإعادة النظر في علاقاتها مع دول العالم وفي تحالفاتها الاستراتيجية لترسم طرقا جديدة تضمن لها أفضل الشروط وأكثر السبل أمانا للمحافظة على استقرار الدولة وأمان ورخاء الشعب، ومن أهداف جولة ولي العهد المساهمة الفاعلة في ذلك.

بالاستقبال عالي المستوى مع الرئيس ورئيس الوزراء في باكستان ومع الإمبراطور ورئيس الوزراء في اليابان وبوزراء الدفاع، عبّر البلدان عن أهمية الزيارة وأهمية الزائر بالنسبة لكل منهما، وكانت رحابة الاستقبال وبشاشة الوجوه التي رأيناها من مضيفينا خلال حفلات التكريم تعبيرا شعبيا عما تأمله الشعوب من مثل هذه الزيارة.

لطالما تناقل العرب صورة اليابان كنموذج فريد للقدرة على النجاح الاقتصادي على المستوى العالمي، وقامت سوق المقارنات على قدم وساق، وتحديدا بين مصر واليابان، وهذه المقارنة ويا للمفارقة بدأها اليابانيون، يقول مسعود ضاهر: «إن اليابانيين سبقوا العرب في إجراء المقارنة بين مصر واليابان»، في كتابه «النهضة العربية والنهضة اليابانية: تشابه المقدمات واختلاف النتائج» ص12.

مرّت اليابان بنهضتين؛ الأولى انتهت لحكم العسكر والدخول في الحرب العالمية الثانية بكل قوة وعنف بناء على «نظرية (الكوكوتاي) أو الأرض المقدسة التي لم تطأها أقدام الغزاة»، بحسب ضاهر، والتي انتهت باستسلام اليابان بعد إلقاء الولايات المتحدة الأميركية قنبلتين نوويتين على هيروشيما وناغازاكي، والنهضة الثانية بدأت بعد الإقرار بالهزيمة والاتجاه للعمل والإنتاج والإبداع والتركيز على الاقتصاد، وهي التي صنعت النموذج الياباني المبهر عربيا.

لا تخطئ العين في اليابان الحرص الشديد على الدقة والنظام في كل شيء تقريبا، حتى في حركة البشر في الشوارع، وكأنما الفرد الياباني عبارة عن آلة منخرطة في نظام متكامل يتحرك بالكومبيوتر والأرقام التي لا مجال فيها للخطأ، وعلى الرغم من معاناة الاقتصاد الياباني في السنوات الأخيرة، فإن المراقب يستطيع أن يرصد إصرارا كاملا على إنعاش الاقتصاد و«إعادة اليابان»، كما كان شعار الحملة الانتخابية الماضية لرئيس الوزراء الحالي شينزو آبي.

قامت السفارة السعودية في باكستان بتوزيع كتيب يشرح باختصار العلاقات السعودية - الباكستانية، كما قامت السفارة السعودية في اليابان بتوظيف عدد من الشباب السعوديين المبتعثين في اليابان لخدمة الوفد المرافق لولي العهد، وكم هو مفرحٌ الحديث مع هؤلاء الشباب الذين هم إحدى ثمرات أكبر برنامج للابتعاث في العالم، وهو برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، إنهم شبابٌ يدرسون تخصصات علمية دقيقة ويشعرون بالمنافسة مع أشقائهم المبتعثين في الغرب ويصرّون على التميّز. أخيرا، جاءت جولة الأمير سلمان لتؤكد أن السعودية تعلم جيدا أن السياسة الواقعية للدول يقودها داخليا ضمان استقرار الدولة وأمنها ونهضتها واستمراريتها، وتوفير الرخاء لشعبها، ودوليا بناء شبكات متعددة من العلاقات الاستراتيجية والتحالفات على كل المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية.

[email protected]