مهرجان الجنادرية ومشاركة المرأة

TT

الجنادرية مهرجان كبير يقام سنويا في قرية الجنادرية الفريدة بمدينة الرياض الجميلة والمترامية الأطراف. ويقام هذا المهرجان، الذي يجري تنظيمه بشكل جيد ورائع، تحت إشراف وزارة الحرس الوطني السعودية. خلال فعاليات مهرجان هذا العام، لفت انتباهي قضيتان على قدر كبير من الأهمية: الأولى هي مشاركة بعض الدعاة، والثانية غياب مشاركة الباحثات من العنصر النسائي.

في العام الماضي، أشادت الكاتبة السعودية، أميرة كشغري، بمهرجان الجنادرية الثامن والعشرين، حيث ركزت على دور المرأة المؤثر في تلك الدورة من المهرجان. وخلال مقابلة لها مع جريدة «المدينة»، قالت كشغري: «المهرجان الوطني للتراث والثقافة، الجنادرية، أزال إشكالات حضور المرأة للندوات، ففي السابق، كان وجود المرأة يثير إشكالات كثيرة، أما اليوم، فالجنادرية أزالت هذه الإشكالية، فوضعت المرأة بشكل طبيعي مشاركة من دون قيود أو حواجز، وهذا ما لاحظته من خلال حضوري للفعاليات الثقافية في المهرجان».

كما شهد مهرجان العام الماضي حضورا نسائيا واضحا، فقد قامت سيدتان بتأليف أوبريت «جنادرية 28 (قبلة النور)»، وهما الشاعرة الراحلة مستورة ضويعن الأحمدي والشاعرة نجلاء جمال المحيا. كما شاركت في تقديم الأوبريت واحدة من أفضل المطربات وهي المطربة المغربية فاتن هلال بك.

تتقدم الأمة متى ما تقدمت

واليوم يبدأ من أشعة صباحي

من قبل يصحى الفجر في قريتي قمت

أطوي فراش الخوص وأبسط جناحي

ما نام في عيني تعب أمس لو نمت

ذكرى العنا وشلون تطلق سراحي

ما أدري رجعت لأمس والا تحلمت

وقد استمعنا إلى أبيات الشعر تلك بصوت فاتن هلال بك، الرائع الندي.

وكان كثير من النساء شاركن في جميع الندوات التي عقدت خلال مهرجان الجنادرية الثامن والعشرين، وأعتقد أنهن كن أفضل وأكثر دقة من الرجال في تقديم العروض التوضيحية، وكذلك إدارة الندوات الموكلة إليهم، وقد كانت الكلمات التي يلقينها تتميز بالبلاغة والثراء وتحمل في طياتها الكثير من المعاني.

أما خلال مهرجان الجنادرية التاسع والعشرين هذا العام، فقد رأيت بعض النساء يحضرن أولى الندوات، التي عقدت في قاعة الملك الفيصل، غير أنه وبعد أقل من ساعة، غادرن إلى قاعة أخرى صغيرة. حاولت أن أبحث عن المبرر الرئيس وراء ما حدث، وسرعان ما عرفت السبب! إنهم الدعاة الذين انتقدوا حضور النساء على ذلك النحو.. وجرى منحهن فرصة للمشاركة في المهرجان للتعليق فقط على الفعاليات. وخلال فترة إقامة «الجنادرية 29»، أتيحت الفرصة لامرأة واحدة؛ هي الباحثة الدكتورة أميمة الخميس، التي قدمت ورقة بحثية عن فن الرواية العربية.. وكان ينبغي عليها أن تقدم البحث في قاعة منفصلة، بينما نجلس نحن في قاعة أخرى نستمع فقط إلى صوتها.

واسمحوا لي أن أربط بين حضور بعض الشيوخ، لا سيما من لبنان والكويت والمملكة العربية السعودية، ومشاركة المرأة في «الجنادرية 29».

أعتقد أن وجهة نظرهم عن النساء قد عفا عليها الزمن، كما أنها لا تتفق مع جوهر الإسلام. هناك قول مأثور ورد في صحيح البخاري يرويه عبد الله بن عباس عن ثاني الخلفاء الراشدين، عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: «كنا في الجاهلية لا نعد النساء شيئا، فلما جاء الإسلام وذكرهن الله، رأينا لهن بذلك علينا حقا من غير أن ندخلهن في شيء من أمورنا». (صحيح البخاري - كتاب اللباس حديث: 5505).

يبدو جليا أن الجزء الثاني من قول الخليفة عمر يمت بصلة إلى العصر الذي عاش فيه ثاني الخلفاء الراشدين.. بعبارة أخرى، الإسلام ليس ضد مشاركة النساء في الأمور السياسية أو الاجتماعية.

أعتقد أنه ينبغي أن تتصف جميع الأحكام الدينية (في جميع الديانات) بثلاث خصائص: أولاها، أن تكون متوافقة مع الحكمة، وقائمة على أساس القاعدة الذهبية التي تقول: «كل ما حكم به العقل حكم به الشرع».

ثانيا، ينبغي أن تتفق الأحكام الدينية مع مبادئ العدل، لأن العدل هو الأساس الذي تقوم عليه جميع الأديان. ثالثا، ينبغي أن تتفق جميع الأحكام الدينية مع مبادئ الإنسانية.

وإذا دققنا النظر في آراء بعض الشيوخ، فسنجد أنهم يعتقدون أن الدين جاء من أجل الرجال فقط، فهؤلاء يركزون بشكل أساسي على الرجل وحقوقه الشرعية، ويعتقدون أنه ينبغي على المرأة أن تكون دائما في خدمة الرجل.

أعتقد أن وجهة النظر هذه تتماشى فقط مع ما جاء في «العهد القديم» عن المرأة: «لقد خُلقت من ضلع آدم، ثم تعرض آدم للخداع من قبل المرأة، حواء، وتعرضت حواء للخداع من قبل الثعبان (الشيطان)»! وقد شكلت هذه الاستعارة أساس الفكرة التاريخية عن المرأة، التي سميت «الإسرائيليات» في المصادر الإسلامية.

أما القرآن الكريم، فيخبرنا أن الشيطان خدع آدم وحواء في الوقت نفسه. فقد ورد في القرآن الكريم ضمير الغائب «هما» للإشارة إلى الاثنين (آدم وحواء) ولم يقل القرآن الكريم إن حواء كانت هي السبب في الإغواء والضلال.

كان لي حديث مع أحد القائمين على تنظيم مهرجان الجنادرية التاسع والعشرين، الذي أخبرني أنها ستكون فكرة رائعة إذا ما جرى توجيه الدعوة لبعض الشيوخ للمشاركة في ندوة لشرح وجهة النظر المؤيدة لمشاركة المرأة في المهرجان، وستوفر تلك الندوة الفرصة للجميع للاستماع للرأي والرأي الآخر. وقد وافقت على ذلك الاقتراح، غير أنه كان لدي اقتراح أفضل؛ هو أن يجري تنظيم ندوة للحديث عن حقوق المرأة في القرآن الكريم والإسلام يُدعى إليها بعض الدعاة والشيوخ والباحثات من المملكة العربية السعودية والجامعات الإسلامية الأخرى، حتى يتسنى تعميم ونشر المناقشات لجميع شعوب العالم الإسلامي.

ليس لدي أدنى شك في أن هؤلاء الشيوخ سوف يغيرون آراءهم إذا ما جلسوا للنقاش مع باحثين مميزين وعلى قدر كبير من العلم. يبدو خطابنا الإسلامي في حاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى إلى الإصلاح، لا سيما عندما يتعلق الأمر بحقوق المرأة.

ومما لا شك فيه أن مهرجان الجنادرية لديه من الإمكانات ما يؤهله للعب دور رئيس في هذا الشأن. وصدقوني، لقد كان من غير المقبول أن تشارك امرأة واحدة فقط في إحدى الندوات، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن تلك المرأة عرضت ورقتها البحثية بينما تجلس في قاعة أخرى غير التي كنا نجلس فيها نحن، مما يعني أنه لم يتسن لنا إلا الاستماع إلى صوتها فقط. كانت تلك الورقة البحثية هي الأفضل بين كل البحوث التي جرى عرضها خلال ندوات المهرجان؛ إذ عرض كثير من الباحثين الرجال أفكارهم من دون تقديمها في شكل أبحاث مكتوبة، وكان من الصعب على المتابعين أن يستنبطوا شيئا جديدا فيما قدمه هؤلاء الباحثون الرجال!

الجميع يأمل أن يكون مهرجان الجنادرية المقبل خطوة كبيرة نحو أفق أكثر وضوحا حول ما يتعلق بالأفكار ووجهات النظر فيما يخص توسيع مشاركة المرأة، وليس العكس. إنني ما زلت أتذكر كلمات أوبريت «قبلة النور» في مهرجان «الجنادرية 28»، تلك الكلمات التي تقول لنا إنه يجب علينا أن نتقدم للأمام، لا أن نتقهقر للوراء.