بقايا ذكرى

TT

قبل يومين مرت ذكرى الوحدة بين مصر وسوريا ولم يتذكرها حتى الفضائيات وتعيد إلينا مثلا أغنية صباح «م الموسكي لسوق الحامدية أنا عارفة السكة لوحدية»، يبدو أن العرب تاهوا في السكة، بل لم يعد الأمل معقودا على الوحدة بين مصر وسوريا، ولكن بين سوريا وسوريا وبين مصر ومصر!!

الوحدة لم تستمر سوى ثلاث سنوات ونصف السنة ولم يتبق منها سوى بقايا ذكرى، كنا نعيش زمن الوحدة «اللي ما يغلبها غلاب» حتى بعد الانفصال في 28 سبتمبر (أيلول) عام 1961 ونغني للوطن الواحد والقومية العربية، رغم أن سنوات التناحر والصراع بين العرب صارت هي القاعدة الأكثر حضورا، فلم يشهد الزمن سنوات صفاء إلا على سبيل الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، وهكذا مثلا جاء في مطلع الألفية الثالثة نشيد «الحلم العربي» الذي يمتلئ بالشجن هو الأكثر تعبيرا عن زمن الانقسام «جايز ظلام الليل يبعدنا يوم إنما يقدر شعاع النور يوصل لأبعد سما»، وكان يشارك فيه فنانون من الكثير من الدول العربية، بعدها عشنا قبل ثلاث سنوات حلما آخر أتمنى ألا يصبح كابوسا، حيث إننا في عنفوان وفوران الربيع العربي وجدنا التناحر العربي - العربي يسيطر على المشهد.

حلم الوحدة من الممكن أن يبدأ فنيا وثقافيا، تجمعنا الكثير من المفردات التي تجعل الطريق ممهدا، ولكن ثبت أن الوحدة ليست قرارا، وكما فشلت في السياسة ترنحت في الفن عندما جاءت بقرارات رسمية. أتذكر عام 1993 في مهرجان «دمشق السينمائي الدولي»، وكنت حاضرا، اجتمع وزيرا الثقافة الأسبقان الدكتورة نجاح العطار (سوريا) وفاروق حسني (مصر)، وقررا إنتاج فيلم سينمائي مشترك تفتتح به دورة مهرجان دمشق عام 95، حيث كان المهرجان يعقد وقتها مرة كل عامين، ومرت السنوات ولم نرَ شيئا، بل أكثر من ذلك قبل ثماني سنوات كانت هناك محاولات من نقابة الممثلين لمنع وجود الفنان العربي على الساحة المصرية، كان السبب غير المعلن هو إتاحة الفرصة للفنان المصري، وذلك بعد أن وجد بعض النجوم أن عددا من النجوم العرب، بعد اقتحام جمال سليمان لعرين الدراما المصرية بمسلسل «حدائق الشيطان»، قد أصبحوا يزاحمونهم، فبدأت الضربات تحت الحزام.

وكان البعض بين الحين والآخر يردد تلك المقولات السخيفة «جحا أولى بلحم ثوره» وإذا لم تؤد المطلوب يجري استخدام الثانية «اللي يعوزه البيت يحرم ع الجامع»، ما حدث هو أن القانون الاقتصادي انتصر في النهاية، وكما في كل شؤون الحياة المصالح تتصالح، لأن الفضائيات تعددت في مختلف الدول العربية وأصبح سعر المسلسل يرتفع بنجومه العرب، وهكذا صرنا نشاهد عملا فنيا من تأليف فلسطيني وإخراج تونسي وبطولة مصري وسوري وخليجي وعراقي وجزائري ولبناني، لم تأتِ الوحدة الفنية التي حققتها الدراما التلفزيونية بقرار سياسي ولا حتى بكيان شعبي مثل «اتحاد الفنانين العرب» الذي دخل طرفا أيضا قبل نحو ربع قرن، وبالفعل قدم مسرحية «وا قدساه» شارك فيها فنانون من مختلف دول العالم العربي، وقالوا وقتها إنها أول الغيث، فكانت أول وآخر الغيث، بل أصبح «اتحاد الفنانين العرب» مجرد اسم هلامي ولحق بالديناصور المنقرض.

الوحدة العربية يبدو أنها أمل مستحيل، حتى «جامعة الدول العربية» لا تملك القوة لإصدار قرار يصدق عليه كل الأعضاء، الفن فقط هو الذي قفز فوق السور وحقق تلك الوحدة عندما ارتبط بضرورة اقتصادية، ليس بالغناء تتحقق الوحدة، ولكن بالمصالح فقط نعرف السكة «م الموسكي لسوق الحامدية»!!