عولمة الربيع العربي!

TT

مع تداعيات الأحداث بسرعة فائقة في أوكرانيا، ومع توسع دائرة الاعتراض والتظاهر الجماهيري ضد الرئيس فيكتور يانوكوفيتش التي أدت إلى هروبه من العاصمة كييف إلى جهة مجهولة، واجتماع البرلمان وإقرار حكومة جديدة وخلعه من منصبه، والإعلان عن انتخابات جديدة.. يبدو أن الخاسر الأكبر من هذا الحراك السريع هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو الذي كان الداعم الأكبر للرئيس الأوكراني المخلوع. الشيء المثير في هذا الأمر أن ما حصل كان مفاجئا وقسم البلاد بسرعة، فالجزء الشرقي من البلاد لا يزال يوالي الروس نظرا لوجود أعداد هائلة من السكان من أصول روسية، بينما الجزء الغربي من البلاد يرغب في «الطلاق» من التأثير الروسي المتعاظم والانضمام للاتحاد الأوروبي. وطبعا كان العالم يتابع تداعيات ما حدث في أوكرانيا وكأنه يشاهد نسخة مكررة من مشاهد ميدان التحرير في مصر وما حدث خلالها، والطريف في الأمر أن الأحداث «الرئيسة» التي حدثت في العاصمة كييف وقعت في منطقة تسمى أيضا «ميدان التحرير»، وكأن المسألة تتبع «كتالوجا» موحدا للأحداث!

روسيا والصين كان لديهما هواجس ومخاوف هائلة من موضوع الربيع العربي برمته.. كانتا تروجان أن المسألة «مدبرة» و«مسيّرة» و«هناك أصابع خارجية تقودها»، والسبب في ذلك طبعا أن كلتا الدولتين لديها مواقع «رخوة» ومهددة بأن تثور وتتمرد بحراك من «فيسبوك» و«تويتر» كما حدث في الربيع العربي في أكثر من دولة عربية.. فروسيا لديها مناطق بالغة التعقيد ومن الممكن أن تطالب بشكل سهل بالاستقلال والثورة ضد النظام؛ مناطق مثل الشيشان وداغستان وسوتشي عاصمة الشركس التاريخية، ومناطق فيها مجاميع تتارية مهمة، وغيرها. وكلها بلا استثناء لديها مطالب «انفصالية» وحجج قديمة، وكل ما يحتاجونه هو «الشرارة». الروس يعتبرون أوكرانيا تقليديا جزءا أساسيا من كيانهم الحضاري والتراثي والثقافي بامتياز، ولذلك فهم يدافعون عن أوكرانيا وكأنها امتداد لهم، وبين الساسة الروس مَن لا يعترفون حقيقة باستقلال أوكرانيا وانفصالها عن روسيا، تماما مثل حزب البعث السوري وعلاقته بلبنان على سبيل المثال. وقد صرح جورج بوش الابن في مذكراته على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في لقاء جمع بينهما في إحدى المناسبات بأن روسيا لا ترى أوكرانيا إلا جزءا أساسيا من روسيا الكبرى. ولذلك فمن المنتظر أن «يرد» بوتين على الحراك المتمرد الذي حصل في أوكرانيا بالإصرار على «حماية» وحدة أوكرانيا الجغرافية بعد تناقل أحاديث عن قرب انفصالها «الحتمي» إلى منطقتين بحسب ميول كل منهما، ويستبعد العقلاء أن يحدث ذلك، ولكن التلميح يظل قائما على التهديد المحتمل حصوله.

وهناك طبعا بالنسبة للصين كوابيس متشابهة لا تقل خطورة ولا أهمية، فالتيبت وتركمانستان الشرقية ذات الأغلبية المسلمة وإقليم أغيور في الصين أيضا الموجود في محافظتي كنجهاي وجانسو، وغيرها، طبعا كلها هي الأخرى مناطق قابلة للتمرد والثورة والمطالبة بـ«الاستقلال» متى ما توفرت الشرارة المناسبة، ولذلك تخشى روسيا والصين من «عولمة» الربيع العربي على مناطقهما بعد أن حقق هذا الموضوع قدرا مهما من الفوضى الخلاقة وسمح بإعادة التمركز لبعض السياسات وتجربة بعض القرارات وإظهار بعض التوجهات والشخصيات، وكأنه «بروفة» وتحضير للساحة الكبرى المطلوبة، ساحة الصين وروسيا. سيكون من المهم معرفة رد بوتين على ما حدث في أوكرانيا، فيبدو أن الساحة السورية ستولد صفحات في أماكن أخرى من العالم للرد.. ولكن في عالم متغير ومنفتح لا خلق الله سرا.