إيران بين الحلم والكابوس!

TT

لمعرفة «العقلية» التي تحكم إيران اليوم لا بد من التعامل مع المسألة بجمع عناصر مختلفة وليس حصر الموضوع من وجهة نظر أمنية أو حتى عسكرية أو حتى مذهبية.

هناك مثل فارسي قديم ولكنه ذو مغزى مهم جدا وهو يقول: إن أسوأ عدو هو الأسد الجريح، وإيران، التي كان شعارها قديما هو الأسد، لديها كم متراكم من المسائل التي تؤثر على وضعها في العالم اليوم، وأسلوب رسم خريطة طريق مستقبلها.

إيران أو بلاد فارس كما كانت تعرف قديما، بلد صاحب حضارة كبيرة وتاريخ مهم وإرث من التراث لا يمكن إنكاره، وكانت لديه إسهامات مهمة جدا في الفنون والآداب والعلم والعمارة والطب وغيرها من المجالات. ولكن مع الوقت اضمحل «الدور» الإيراني بالتدريج وانحسر المد الثقافي الفارسي لمصلحة الأتراك تارة ولمصلحة العرب تارة أخرى.

كل ذلك والدور الفارسي الإيراني بلا وجود أبدا، وطبعا ولد ذلك غصة لدى شعب صاحب ثقافة كالإيرانيين، الذين لديهم قناعة عميقة ومطلقة بأنهم أجدر وأهم وأعرق من «غيرهم»، وبالتالي هناك نظرية فوقية و«آرية» بأنهم عرقيا شعب أسمى.

ولذلك حينما قامت الثورة الإيرانية كان هناك فريق عريض يعد الثورة «الدينية» الحصان المناسب لاستعادة الدور الفارسي القديم. وبدأت عودة «الاعتزاز» بالهيمنة الفارسية فعلا، وإلا فكيف يمكن تبرير إبراز اللغة الفارسية بشكل عصبي في ظل ثورة «إسلامية» لغة كتابها القرآن «العربية»؟ وكذلك الأمر بالنسبة لاختلاق معارك جانبية بخصوص اسم الخليج «الفارسي» وتحويله إلى معركة حياة أو موت وهتافات تعلق لأجلها في مناسبات رياضية وثقافية بشكل استفزازي رخيص جدا وصغير جدا.

وطبعا لا يمكن إغفال المذابح ووسائل التعذيب الوحشية بحق عرب الأهواز، وهم مواطنون إيرانيون ولكن كونهم عربا فهم يعاملون بشكل دوني وحقير على الرغم من كونهم من أبناء المذهب الشيعي أيضا.

والآن إيران تحس بـ«نشوة» سياسية كبرى وهي تلقى الاهتمام الاستثنائي من المجتمع الدولي والغرب تحديدا للتوقيع على اتفاقيات سياسية وأمنية تغير الكثير من المواقف القديمة.

وهذه النشوة تريد إيران أن تترجمها سياسيا واقتصاديا بشكل مؤثر وفعال في تحقيق فعلي ودقيق جدا، فهي اليوم تمارس السياسة بعقلية تاجر عتيق في سوق بازار طهران القديم، كل شيء قابل للبيع والشراء وكل شيء قابل للمساومة والتسعير.

إيران ترغب في دور إقليمي رئيس أشبه بالكفيل الأساسي للمصالح في المنطقة وترغب في أن تكون صوت الشيعة والمسؤول عنهم في العالم، سواء أمام العالم الدولي أو العالم الإسلامي. ولذلك فتتت مراكز وثقل المرجعيات والحوزات خارج إيران بما فيها النجف وكربلاء وباتت مكانة قم الدينية والسياسية هي الركيزة الأساسية للثورة الدينية والسياسية بالنسبة لإيران وأصبحت بالتالي رمانة الميزان بالنسبة للمرجعية الدينية أيضا.

وطبعا هناك الورقة الاقتصادية بعد إزالة العقوبات الاقتصادية بالتدريج عن إيران، فهي ستكون حريصة جدا على عودة قوية لأسواق النفط والغاز وخصوصا وهي تلقى دلال وود الشركات الروسية والصينية واليابانية والفرنسية والهندية والكورية والتركية، وطبعا قريبا جدا الأميركية، لتطوير قدرات إنتاجها ومصافيها وتصديرها، ولكن حتما هذه مسألة بحاجة إلى وقت نظرا لرداءة البنية التحتية للنفط الإيراني وسوء وضعه بعد سنوات طويلة جدا من الإهمال ومن العقوبات الاقتصادية القاسية.

اليوم إيران تريد استعادة «أمجادها» ودورها «المفقود» الذي أخذ منها «ظلما»، وهي ترى أن هذه المسألة حق «طبيعي» يليق بها وبتاريخها و«مكانتها» وأن التاريخ الذي أخطأ بحقها يجب أن يصلح مساره مستقبلا وأن العالم ها هو «يدرك» ذلك ويعدل ما ارتكبه من أخطاء.

الأسد المجروح خطر ولكن الأسد المغرور خطر أكبر بكثير. إيران ترغب في مسائل أكبر بكثير من مجرد اتفاقية نووية أو اتفاق سياسي على دورها أو اتفاق اقتصادي على غازها ونفطها، إيران تحاول أن تعوض ما فاتها من التاريخ في لحظة فورية، قد يكون بالنسبة لها حلما جميلا ولكنه حتما من الممكن أن يكون كابوسا لغيرها!