زيتونة الأحلام

TT

ذكر الله شجرة الزيتون ست مرات في القرآن الكريم، ومرة سابعة ضمنيا في سورة المؤمنون. ووصفها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بأنها شجرة مباركة.

والجدير بالذكر أن الزيتونة نشأت في فلسطين، ومن فلسطين انتشرت إلى سوريا وتركيا وإيران ثم اليونان وإسبانيا وإيطاليا. وقيل إن الفينيقيين اهتموا بها وزرعوها وانتقلت منهم إلى معظم دول البحر المتوسط.

ولشجرة الزيتون مكانة في قلوب البشر منذ قديم الزمان، ربما لأنها ذكرت في الكتب المقدسة، وذكر أنها وصلت إلى نوح عليه السلام حين رست به السفينة، فأطلق حمامة عادت إليه وفي فمها غصن زيتون أخضر.

كلنا يعلم أن الأحوال الجوية تتغير تغيرا حثيثا. وقد تعددت الأسباب وكثرت العواصف وتكرر الطوفان في أماكن متفرقة في العالم ومات من مات واندثرت مدن وقرى. والنتيجة هي أن المناخ تغير تغيرا ملموسا في العشرين سنة الماضية، بحيث أصبح صيف لندن لا يختلف كثيرا عن صيف إسبانيا أو إيطاليا. ونتيجة لذلك، تغيرت العادات وأصناف الطعام التي يقبل عليها الناس، ومنها الزيتون وزيته لما له من خواص مذهلة وفوائد صحية.

ومن هنا، ولد حلم رجل بريطاني في الثانية والأربعين، اسمه نيل ديفي، فسعى لتحقيق الحلم رغم اعتراض زوجته واتهام أصدقائه له بأنه مجنون. وبعد عدة سنوات أنفق خلالها من مدخراته أربعة عشر ألفا من الجنيهات، تحقق الحلم ووقف نيل في حديقة منزله الريفي بمقاطعة كِنت وبيده ثمرة الزيتون التي جادت بها مغامرته، وأصبح حقل الزيتون في بيته هو الأول في تاريخ بريطانيا، وفي مقاطعة كنت بالتحديد.

فهل تصبح بريطانيا يوما مثلها مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا وفلسطين من الدول المصدرة لزيت الزيتون؟

حكاية نيل بدأت في عام 2002 حين ذهب لقضاء رحلة شهر العسل في إيطاليا ثم عاد إلى لندن واستمرت حياته كمدير علاقات عامة في شركة كبرى، وأنجب طفلين. ثم قرر هو وزوجته أن يبتعدا عن جلبة مدينة لندن فباع بيته واشترى بيتا ريفيا في مقاطعة كنت تحيط به حديقة مساحتها أربعة أفدنة..

ذات ليلة وهما جالسان في فراندة البيت الريفي، قال لها إنه يحلم كثيرا بالتقاعد وبشراء بيت في إيطاليا تحيط به أشجار الزيتون. وفجأة، أضاء في وجدانه نور وهمس صوت يقول: ولماذا تنتظر 20 سنة، فالأرض بين يديك فابدأ بالسعي نحو حلمك. وحين أدرك أن أرضه تشرق عليها الشمس ساعات طوالا كل يوم وأن الأرض رغم أنها لم تزرع لتوفير أي محاصيل لمدة أربعين سنة، فهي في مأمن من الرياح القوية ويمكن استصلاحها.

وعليه، جلس إلى الكومبيوتر لمعرفة أنواع الزيتون المختلفة. وقرر أن يبدأ المغامرة بمشروع صغير لا يزيد على 12 شجرة من أنواع مختلفة اشتراها من عدد من المشاتل المحلية، المتناثرة هنا وهناك. وزرعها في مارس (آذار) 2011. وكان صيف تلك السنة حارا جافا ولم يكن نيل ينتظر أن تثمر شجيراته، بل كان منتهى أمله ألا تذوي الشجيرات وتموت. وتحقق الأمل لأن شجرات الزيتون نجت من أحوال الطقس الإنجليزي، وخصوصا ثلاث سلالات منها. واستجمع نيل شجاعته وتفاؤله واتصل بعشرات من أصحاب مزارع الزيتون في إيطاليا طلبا للنصح واستفسر عن إمكانية استيراد أشجار الزيتون للزراعة في حقله. وأسفر مجهوده عن الاتصال بشركة صغيرة في شمال إيطاليا، وفرت له ما يريد وهو شجيرات عمرها ثلاث سنوات بأسعار معتدلة.

وضع الرجل كل مخاوفه جانبا واستورد 200 شجرة يزيد سعر كل منها على سبعين جنيها، ثم اتجه تفكيره إلى كيفية إعداد الأرض للزراعة فاستعان بمزارع من جيرانه لتجهيز الأرض واستأجر الماكينات اللازمة لذلك، وحرص على الوجود في مزرعة الزيتون للإشراف على سير العمل في عطلات نهاية الأسبوع.

كاد الحلم يتلاشى وتتلاشى معه ألوف الجنيهات حين جرت زراعة الأشجار في عام 2012، ثم تبعه عام امتد شتاؤه إلى منتصف شهر يونيو (حزيران) وازداد سقوط الأمطار بحيث ظن نيل أن مياه المطر لا بد أن تركد حول جذور الأشجار فيؤدي ذلك إلى تعطن الجذور وموتها. ولكن في نهاية يونيو وبداية يوليو (تموز)، سطعت الشمس وتساقطت الأوراق الداكنة لتحل محلها أوراق صغيرة خضراء، وبعد أسبوعين أزهرت وفي وسط كل زهرة حبة صغيرة بحجم رأس دبوس. وفي نوفمبر (تشرين الثاني)، حصد الرجل الذي سيذكره التاريخ كأول من أدخل زراعة الزيتون إلى الجزر البريطانية - حصد أول محصول من الزيتون الإنجليزي.

وسبحان الذي يغير ولا يتغير.