الزلزال الأوكراني سيضرب من موسكو إلى القوقاز

TT

مع تصاعد الحدة في الموقف الروسي من التطورات الأوكرانية التي أطاحت حكومة فيكتور يانوكوفيتش، يجمع الخبراء الأوروبيون على أن أوكرانيا تقف أمام ثلاثة احتمالات: إما أن تنجح عملية إطاحة الحكومة وتذهب الأوضاع إلى الاستقرار، وإما أن تتدخل روسيا على غرار ما فعلت في جورجيا عام 2008 وقبلها في «ربيع براغ»، وإما أن تنزلق إلى حرب أهلية بين شرق البلاد المجاور لروسيا وغربها المجاور لبولندا، لا تنتهي إلا بالتقسيم على غرار ما حصل في تشيكوسلوفاكيا التي باتت دولتين، أو في يوغوسلافيا، أو بقيام جدار كييف بين الغرب والشرق على ما كان يعرف بـ«جدار برلين».

لن يكون سهلا على فلاديمير بوتين أن يبتلع ما جرى، فإذا كان سقوط الاتحاد السوفياتي يمثل «أكبر مأساة في التاريخ المعاصر» كما يقول، فإن سقوط أوكرانيا يشكل أكبر كارثة في التاريخ الروسي، الذي طالما عدّ أوكرانيا «روح روسيا وأهراءها»، وهي التي احتلت دائما مكانة مميزة في الوجدان القومي الروسي، ولهذا من المبكر الحكم على الأوضاع بعدما هرب يانوكوفيتش وخرجت يوليا تيموشينكو من السجن وجرى تحديد موعد جديد للانتخابات.

لقد تلقى بوتين فشلين في كييف؛ الأول عندما عرض مبلغ 15 مليارا من الدولارات لتعويم حكومة يانوكوفيتش ولم يساعد هذا العرض في تهدئة الأوضاع، والثاني عندما انقلبت المعارضة على الاتفاق الذي جرى التفاهم عليه مع ألمانيا وفرنسا وبولندا، والذي دعا إلى إجراء تعديل دستوري وتشكيل حكومة ائتلافية وإجراء انتخابات مبكرة. وجاءت ضربة ثالثة موجعة إلى درجة أن بوتين لن يتمكن من ابتلاعها، لأن إسقاط يانوكوفيتش يمثل هزة كبيرة ستكون لها تردداتها المقلقة حتى في الداخل الروسي، وكذلك في شريط الدول الممتد حتى القوقاز.

بغض النظر عن الرياح الغربية الأوكرانية التي ستعصف في الكرملين وغيره، من الضروري أن نتذكر أن التطورات المتسارعة بعد انقلاب الأوضاع في كييف والمخاوف المتزايدة من حصول تدخل روسي، أطلقت رسالة تحذير أثارت الذعر من أن تتحول أوروبا الشرقية نقطة ارتكاز جديدة لأزمة اقتصادية.. وفي هذا السياق، تقول صحيفة «تلغراف» البريطانية إن قصة أوكرانيا تحولت سريعا من قصة صراع وطني إلى صراع له خلفية جيوسياسية، بعدما انخفضت قيمة الروبل إلى مستويات قياسية بالنسبة إلى اليورو، وإن هذه العدوى انتشرت لتضرب في المجر ورومانيا في الأيام الأخيرة.

في هذا السياق، يقول ريجيس شاتيليه من مصرف «سوسيتيه جنرال»: «ربما سترتب الأزمة الأوكرانية مخاطر عالية وغير محسوبة إذا لم تتمكن من سداد ديونها السيادية التي تبلغ قيمتها 600 مليار يورو، وهو ما سيحدث صدمة ائتمانية مؤذية للمصارف الروسية، وحتى إذا ذهبت أوكرانيا إلى الانقسام على طريقة تشيكوسلوفاكيا، فإن هذه المخاطر تبقى ماثلة في الأفق».

لقد وصف وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير أوكرانيا عشية انهيار يانوكوفيتش بأنها برميل بارود، وجاء ذلك وسط مخاوف غربية كبيرة من أن يقود أي تدخل عسكري روسي إلى مواجهة بين الشرق والغرب لم يشهدها العالم منذ الحرب الباردة، خصوصا إذا كررت موسكو التدخل لسحق «الثورة البرتقالية» على غرار ما فعلت عندما سحقت دباباتها «ربيع براغ»، ذلك أن البيانات الروسية ترفع اليوم من حدتها، ملقية اللوم في ما جرى على «الأعمال الإجرامية للمعارضة المتطرفة ورعاتها الغربيين».

في الواقع، منذ اندلاع «الثورة البرتقالية» عام 2004 صارت أوكرانيا، التي استقلت عام 1991، أيقونة بالنسبة لكثيرين في الجمهوريات السوفياتية السابقة، خصوصا أنها تحتل مكانة مميزة في الوجدان الروسي منذ أن قام نيكيتا خروشوف (الأوكراني) عام 1953 بمنحها شبه جزيرة القرم في الجنوب، بعدما كان جوزيف ستالين (الجورجي) قد هجّر معظم المسلمين الذين كانوا قد دخلوها أيام التتار.

من الواضح أن الشرخ بين الأوكرانيين سيتعمق أكثر في ظل توق أهالي المناطق الغربية الذين يتحدثون الأوكرانية، إلى الانضمام للاتحاد الأوروبي على غرار بولندا المجاورة، بينما يتمسك أشقاؤهم في المناطق الشرقية المحاذية للحدود الروسية، الذين يتحدثون الروسية، بالتعاون الاقتصادي العميق مع موسكو. ومن المعروف أن مشروع بوتين الذي يطمح إلى إقامة منظومة من الدول المتعاونة اقتصاديا، سيصاب في الصميم بعد انهيار أوكرانيا بوصفها مفصلا أساسيا في هذه المنظومة، أضف إلى ذلك ما هو أهم؛ أي الرياح الغربية التي ستضرب قويا الكرملين في حين تبرز قاعدة معارضة روسية متسعة.

ويبقى السؤال: إلى أين ستذهب أوكرانيا؛ إلى الاستقرار في إطار من وحدة البلد، أم إلى الانقسام على طريقة تشيكوسلوفاكيا، أم إلى الحرب الأهلية والتدخل الروسي على طريقة جورجيا؟