الأطباء.. وضرورة مراعاة مشاعر المرضى

TT

ثمة فرق بين إخبار الطبيب مريضه بالمعلومات المتعلقة بمرضه على وجه الدقة وإحاطته علما بها، وبين معاملته للمريض بطريقة يعلمه فيها بشكل واضح بمسؤوليته عن الإصابة بالمرض والتسبب بتمادي معاناته منه وتحميله عواقب ذلك. وهذا الفرق هو خيط رفيع جدا على الأطباء إتقان فنّ التعامل وفْقَهُ مع المرضى.

دعونا نأخذ مثالا حول إصابة إنسان ما بمشكلة السمنة، إذ يمكن للطبيب أن يتكلم مع مريضه بطريقة فيها إشعار له بوضوح أنه هو منْ يتخلى عن الجهود اللازمة لخفض وزن الجسم بعد تلقيه النصائح باتباعها، أو أن يلوم المريض وحده لتسببه بالإصابة بمشكلة السمنة، أو افتراض أن جميع السمينين هم أشخاص يُفرطون في تناول الأطعمة السريعة السيئة على وجه الخصوص أو لا يُمارسون الرياضة البدنية بأي شكل، أو عدم تصديق الطبيب لمريضه حينما يُخبره عن جهوده في خفض تناول كمية طعامه اليومي أو ممارسته لمقدار معين من الرياضة البدنية، أو يُبدي الطبيب امتعاضه من الرغبة في فحص المريض بسبب سمنته، أو يقول له إذا لم تُنقص وزنك فلسوف تموت وأنت في عمر الأربعين، أو يرفض الطبيب معالجة المريض ما لم يُنقص وزن جسمه، أو يُثير موضوع السمنة بلا داع طبي عند مناقشة حالة طبية أخرى لدى المريض لا علاقة لها بالسمنة كالتهاب الحلق أو الجيوب الأنفية.

هذه جميعها أمثلة لسلوك نوعية من الأطباء الذين يُصنفون بأنهم من فئة «طبيب حكمي» أو «الطبيب الحَكَمْ»» Judgmental Doctor، أي الذين يحكمون على تصرفات مرضاهم بلا دليل ولا مبرر ولا واقع، وليس من نوعية «طبيب محترف أو مهني «professional doctor. وهذا السلوك في التعامل مع المريض إضافة إلى أنه غير أخلاقي وغير احترافي وغير لائق بمكانة الطبيب لدى المريض ولا توقعات المريض منه، فإنه سلوك له أضرار صحية على صحة المريض وإقباله على تلقي المعالجة. والطبيب بالأصل مُعين للمريض في التعامل مع مشكلته الصحية والمرضية. ومن بين كل البشر، يلجأ المريض إلى الطبيب لمساعدته اعتمادا على المعرفة التي بذل الطبيب جهود أعوام كثيرة لتحصيلها في كيفية معالجة أمراض الناس. وحينما يُصبح الطبيب جزءا من تفاقم المشكلة الصحية، فإن ثمة مشكلة مُركّبة.

الباحثون من كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز في بالتيمور بالولايات المتحدة أجروا دراسة طبية حول تأثير تعامل الطبيب بطريقة تحكمية مع المرضى الذين لديهم سمنة. وتوصلوا إلى أن السمينين الذين يُعاملون من قبل أطبائهم بتلك الطريقة هم أقل نجاحا في خفض وزن أجسامهم. وقال الباحثون إن التعامل مع مريض السمنة بتلك الطريقة السلبية لا يُؤدي إلى نجاح جهود خفض الوزن. ووفق ما نشر ضمن عدد 19 فبراير (شباط) من مجلة الطب الوقائي Journal Preventive Medicine، فإن الدراسة شملت نحو 600 من البالغين السمينين.

وأفادت الباحثة الدكتورة كيمبيرلي غيدزين، بالقول: «علينا أن نتحدث مع المرضى المُصابين بالسمنة حول ضرورة إنقاص الوزن دون التعامل معهم بطريقة تعتمد على الحكم المسبق عليهم، وهذا خط دقيق علينا المشي فيه بحذر دون إيذاء أحاسيسهم، وإذا نجحنا في ذلك سيستفيد المرضى كثيرا». وصحيح أن أولئك الذين تعامل معهم الطبيب بطريقة آذت مشاعرهم حول سمنتهم، وهم من الفئة الأولى للدراسة، كانوا أكثر إقبالا على البدء في جهود خفض الوزن إلا أنهم بالمحصلة كانوا أقل نجاحا في تحقيق خفض الوزن مقارنة بأولئك الذين تعامل الطبيب معهم بحكمة ولباقة أكبر في طرح مشكلة السمنة وكيفية خفض وزن الجسم، وهم من الفئة الثانية. وتحديدا كان نجاح الفئة الثانية أعلى بنسبة 50 في المائة في تحقيق خفض الوزن بالمقارنة مع الفئة الأولى.

وعلق الباحثون بالقول إن على الأطباء تجنب السلوكيات السلبية في التعامل مع المرضى المُصابين بالسمنة أو بزيادة الوزن، وإن على بعض الأطباء تعلم كيفية الحديث حول زيادة الوزن بطريقة تجعل الشخص المصاب بالسمنة يفهم المشكلة وتبعاتها الصحية وكيفية التعامل معها، ومن المهم إفهام المريض أن في البداية علينا وضع أهداف يُمكن تحقيقها في مقدار خفض وزن الجسم، مثل تحقيق خفض 10 في المائة من مقدار الوزن الحالي، ثم العمل على زيادة الخفض بالتدرج وصولا إلى الوزن الطبيعي المطلوب. وأضافوا: نحن لا نريد أن ننتقدهم أو نسيطر عليهم.. نريد أن نساعدهم كي يتغلبوا على زيادة الوزن ويكونوا في حال صحي أفضل.

والواقع أن هناك كثيرا من السلوكيات الصحية الخاطئة في ممارسة الحياة اليومية، قد تُؤدي إلى إصابة البعض بأمراض معينة كتداعيات لها، وقد لا يستطيع الأطباء منع تعرض المرضى لها، ولا منع ظهور تداعياتها، ولكنهم يستطيعون وضع طريقة واضحة للمرضى في كيفية التغلب عليها أو الوقاية منها. وليس ثمة إنسان يُفرط في الأكل بغية وصوله إلى السمنة، ولكنه لا يتنبه لكيفية تنظيم عملية تناوله للطعام بطريقة تُؤدي به إلى الإصابة بالسمنة. ومهمة الأطباء إعادته إلى تبني الطريقة السليمة في التعامل مع تناول الطعام ومساعدته في إعادة وزنه إلى المعدل الطبيعي.

* استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]