خالي عبده

TT

لم أكن على وفاق مع خالي عبده الذي عاش حتى تخطى المائة بسنوات. وعلى الرغم من جرأته الشديدة وثقته بنفسه التي لا حد لها، غير أني لم أكن معجبا بما يقوله أو يفعله، ولكني كنت أحبه. لم يلتحق بكلية الحقوق، وكل صلته بالقانون هي أنه كان يعمل كاتبا عند محامٍ مرموق، ولكنه ترافع في قضايا هامة كسبها جميعا إلى أن تدخل أعداء النجاح وقدموا ضده بلاغا في النيابة، ولكن من حسن حظه أن حريقا شب في مبنى النيابة التهم أوراق قضيته. كما عمل لسنوات طويلة كممرض في مستشفى القصر العيني ثم استقال ليفتتح عيادته الخاصة، التي اكتسبت سمعة طيبة بعد أن قدم للمصريين لأول مرة في حياتهم ما يسمى بالطب النبوي والعلاج بالقرآن وبالرقى وبالدعوات الصالحة. كما قام بإجراء بعض العمليات الجراحية الكبيرة، وكان يضع على الجروح عسل نحل، ولكن يبدو أن العسل كان مغشوشا أو غير نقي، ولذلك التهبت هذه الجروح ومات من جراء ذلك عدد من المرضى. ومرة أخرى قام أعداء النجاح بتقديم شكاوى ضده للنيابة، وحدث حريق في مبنى النيابة ولكنه لم يلتهم أوراق قضيته وقدم للمحاكمة، وسأله القاضي: هل من أصول الجراحة أن تضع على الجرح عسل نحل؟

فرد عليه: نعم، لأن «فيه شفاء للناس».

فأصدر القاضي حكمه بالبراءة.

بعد ذلك وفي سن الثمانين تقريبا تفرغ للبحث العلمي فالتحق بمؤسسة «علمي علمك الشهيرة»، وبعد سنوات قليلة أعلن عن اختراعه الأول «ك.ع.ب»، وهو كرسي يجلس عليه المريض فيشفى بعد ربع ساعة من البواسير، وذلك بفضل أنواع من الأشعة الكونية غير المعروفة اكتشفها خالي. وهنا بدأت أوروبا وربما بتحريض من إسرائيل في محاربته، وعندما فشلوا في سرقة اختراعه عرضوا عليه مبلغ ملياري جنيه توضع في حسابه في أي بنك في العالم في مقابل أن ينسى هذا الاختراع. هذا ما أعلنه خالي في محطة تلفزيونية. عندما وصلت الأمور إلى هذا الحد قررت أن أتدخل. ذهبت إليه في معمله وقلت له على مسمع ومرأى من كل العاملين:

يا خال.. ما تقوله كلام قديم جدا.. لم يعد في وسع أحد أن يفتح حسابا لأحد في أي بنك في العالم ولو حتى بألف دولار دون أن يعرف البنك من أين أتت هذه الفلوس ولماذا.. عيبك يا خالي أنك لم تدرك المتغيرات في هذا العصر.. أنا شخصيا لي حساب في أحد البنوك المصرية.. ومرتبي من جريدة «الشرق الأوسط» يتم تحويله على حسابي. ولكن كل عدة شهور تتصل بي موظفة من البنك وتسألني.. الدولارات التي جت لك أول الشهر من لندن.. بتاعة إيه؟

يا خالي أنت تذكرني بهؤلاء الفنانين والباحثين والعلماء الذين صمدوا لإغراءات إسرائيل لإقناعهم بالتطبيع معها.. راقصة تصرح: عرضوا علي مليون دولار عشان أرقص في إسرائيل ورفضت.. ومطرب يقول: عرضوا علي ثلاثة ملايين دولار عشان أغني في إسرائيل ورفضت.. اتنين مليار دولار يا خال؟.. ألم يكن في استطاعتهم أن يرسلوا بمن يقتلك بخمسين ألف دولار فقط؟