الجبهة الجانبية

TT

بعد ثلاث سنوات على خروج السوريين إلى الشوارع للمطالبة بالحريات السليبة والحقوق الديمقراطية المصادرة،

وبعد سقوط أكثر من 130 ألف قتيل وآلاف الجرحى نتيجة تشبث النظام بكرسيه الأوتوقراطي..

وبعد تهجير ملايين المدنيين وتحويلهم إلى لاجئين في دول الجوار السوري وخارجها أيضا..

وبعد خراب البنى التحتية وانهيار الاقتصاد السوري..

... أصبح الحدث الطاغي على تطورات الساحة السورية في تغطيات وسائط الإعلام الغربي، هو النزاع العبثي القائم حاليا بين الفصائل الإسلامية المتشددة و«أمرائها» الزمنيين.

بادئ ذي بدء، لا بد من التذكير بأن نشوء الفصائل الطفيلية المتطلعة إلى استغلال حالة الانهيار الأمني لتمرير مخططاتها الذاتية، ظاهرة لازمت الثورات الشعبية وفشلت في أن تفسد أهداف معظمها.

إلا أن السؤال يبقى: هل انتهت قضية الحريات السورية لمجرد أن فصائل متشددة نبتت بشكل طفيلي على هامش الانتفاضة الشعبية وارتأت أن «تشتري جلد الدب قبل اصطياده» فبدأت تتقاتل مع بعضها البعض على أسلاب سياسية مفترضة... وصعبة المنال؟

لم يعد خافيا على أحد وجود «متطوعين» أجانب في صفوف مقاتلي جبهتي المواجهة العسكرية في سوريا. ولكن اللافت اليوم لأنظار أي متتبع للنزاع السوري أن أخبار «الجبهة الجانبية» - جبهة حروب «داعش» و«النصرة» وإفرازاتهما – أخذت تطغى على الحدث الأساسي، أي أخبار جبهة انتفاضة الحريات الشعبية، وتكاد تطمسها، فيما يوحي شغف الإعلام الغربي بنشر أنباء التصفيات الدموية المتبادلة بين مقاتلي هذه الفصائل وكأن حروب المتشددين تحوّلت إلى «مكسب» سياسي – أمني يحققه الغرب، مجانا، من استمرار المعارك الدموية في سوريا.

والمستغرب في هذا السياق تغاضي الإعلام الغربي عن الخلفية السياسية التي سهلت، والأرجح تعمدت، زج صراعات الفصائل «التكفيرية» في أتون انتفاضة شعبية لا ناقة لهم فيها ولا جمل، أي ذلك «العفو» السياسي الذي أصدره النظام السوري بعد فترة وجيزة من اندلاع الانتفاضة وسمح بموجبه للمئات من الغلاة والمتشددين بمغادرة سجونهم وإعادة تشكيل فصائلهم وتسليحها.

تركيز الإعلام الدولي شبه اليومي على هذه «الظاهرة» البعيدة كل البعد عن منطلقات الانتفاضة السورية وأهدافها، يوحي كأن الغاية منه تبرير تقصير عواصم الغرب الديمقراطي في نصرة انتفاضة الديمقراطيات في سوريا بعد أن حولها المتشددون من انتفاضة على الاستبداد إلى نزاع إقليمي تختزله الحالة السورية وقدموا بالتالي لرئيس النظام، بشار الأسد، مبرر دعوة دول المنطقة إلى «تعاون أساسي» في مواجهة التطرف والإرهاب الذي تعاني منه – كما قال قبل أيام معدودة بمناسبة استقباله وفدا إيرانيا برئاسة رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، علاء الدين بروجردي.

الحريات الديمقراطية والحقوق السياسية البديهية لم تعد قضية في سوريا... فبعد أن كان المأمول، بل المرجو، من نظامها تجنيبها تدخلا عسكريا أميركيا مباشرا، أصبح مطلبه الرسمي تجميع كل دول المنطقة في حلف مقدس غايته «مواجهة التطرف والإرهاب»... بغض النظر عن أسبابه ومسببه.

قد لا يلام نظام دمشق على تحويره جوهر القضية السورية من انتفاضة على التسلط والأوتوقراطية إلى مواجهة مع التطرف والإرهاب بعد أن أثبتت إدارة الرئيس باراك أوباما أنها لا تجد قيمة استراتيجية يعتد بها من أي تدخل أميركي في سوريا، وخصوصا بعد أن عوّض «الانقلاب الأوكراني» الخسارة المعنوية التي منيت بها من جراء تراجعها عن تهديداتها العلنية بضرب أهداف عسكرية سورية عقب ثبوت استخدام قوات النظام السلاح الكيماوي في قصف مدنيين في غوطة دمشق؟

واستطرادا، هل يلام النظام السوري على تضخيمه خطر «التكفيريين» ليشمل منطقة الشرق الأوسط برمتها بعد أن أسهبت وسائل إعلام أوروبية في توقع تهديدات أمنية تعقب عودة مواطنيها «المتطوعين» في صفوف الفصائل المتشددة إلى بلدهم الأم - رغم محدودية أعدادهم ورغم انتفاء وجود أي قضية ساخنة في وطنهم تبرر حمل السلاح لنصرتها؟