دروس من الأولمبياد

TT

لا بد أن يتساءل القارئ: وما أنت يا أبو نايل والأولمبياد؟ هذا شيء يهم من فضل الله عليهم من أهل الخير. لم يكن لنا أي دور فيها. لم نستطع حتى أن نحشر علما من أعلامنا بينهم، كما فعلت إسرائيل وحشرت علمها حشرا. ولكن مهلا. لقد جلست وشهدت الحفل الختامي للسباق. ولا أخفي ما شعرت به من الانفعال. تمنيت طوال المشاهدة أن يكون هناك جهاز تلفزيون في بيت كل عربي، وبصورة خاصة في أوكار كل هؤلاء الإرهابيين والانتحاريين والإسلامويين المتشددين. يا ليتهم فعلوا وشاهدوا ما شاهدت. كل هؤلاء الشباب من فتيان وفتيات، في روعة الهيئة والقوام، يقومون بكل هذه العجائب، كل هذه العروض الرائعة، لينعموا بمنجزاتهم الرياضية الرهيبة ويمتعوا الملايين من البشر في التفرج عليها ويدخلوا البشرى والاعتزاز في قلوب ذويهم وشعوبهم وحكوماتهم.

يا ليتهم اندهشوا كما اندهشت بهذه الفذلكات الضوئية والمرئية العجيبة التي قام بها المهندسون والعلماء والتكنولوجيون الروس في خداع أعيننا وحواسنا ليرونا المشاهد العجيبة والرؤى المستحيلة، أو تكاد. ليت هؤلاء الإرهابيين فعلوا مثل ما فعلت ليحتقروا أنفسهم ويدركوا مدى ضياعهم وتخلفهم عن ركب المدنية وما تفعله وتنجزه من البدائع وما تناله من إعجاب البشرية وتقديرها.

ليتهم فعلوا وتساءلوا كيف توصل الآخرون لهذا الرقي؟ فكل ما رأيناه في هذه المباريات واحتفالاتها جرى في أطر الاستقرار والسعي الإنساني الحثيث لما هو أعظم وأبلغ بدنيا ورياضيا وعقليا وثقافيا. شباب يكرسون شبابهم وحياتهم وعقولهم ليلا ونهارا لا للقتل بل لبلوغ ما هو أروع وأسرع، وأجمل وأجدى وأكرم لأمتهم. وأين كل ذلك مما تفعلونه يا أهل الإرهاب وقتلة الأبرياء وما تجلبونه من غير الهلاك لأنفسكم والمعاناة لأسركم والكره والمذمة والاحتقار من شعبكم ومن سائر العالم؟

لو فعلوا مثل ما فعلت، لرأوا ما تضمنه الاحتفال من مواعظ. كان من مواده احتفال الدولة المضيفة بتراثها الفكري؛ فها هم راقصون يتقمصون تولستوي ودستوفسكي وغوغول وسواهم من قادة الأدب الروسي.. راقصون يتبادلون الكتب والأوراق حتى غص الملعب بالورق. رسالة بليغة من الروس. بالعلم والأدب نحقق كل شيء. وطوال هذه المشاهد، نرى صبيا وصبيتين، ينظرون بعجب ويستمعون بحرص، يأتون، ويغيبون، ويرجعون وفي الأخير يقوم كل منهم بلعبة أكروباتية ظريفة. رسالة واضحة أخرى. ها هو الجيل الجديد حريص على التعلم والاستماع والمشاركة. به ستنهض روسيا الجديدة، وبهم تنهض أي أمة حريصة على النهوض.

انتهى الحفل بكلمة من رئيس اللجنة الأولمبية العالمية. لفتت أسماعي منها إشارته لما تعانيه بعض زوايا العالم من العنف والإرهاب والاضطهاد. قال أرجو أن يجدوا من وراء هذه الأولمبياد رسالة لهم. فبالسلام والتعاون والسعي السلمي ينجز كل شيء. وها أنا أستجيب لطلبه بحمل هذه الرسالة لكل الضائعين والضالعين بالتقتيل والتدمير.