«الميزان المائي» في حلول الندرة المائية!

TT

ما زالت قضية شح المياه قضية بيئية محورية على المستوى العالمي لما لها من تبعات جمة تطال مختلف الجوانب الاقتصادية والسياسية والأمنية والصحية في حياة الشعوب.. فوفقا لبرنامج الأمم المتحدة للمياه، يؤثر شح المياه على جميع القارات وعلى أكثر من 40 في المائة من الناس على كوكبنا. وبحلول عام 2025، سوف يعيش 1.8 مليار شخص في بلدان ومناطق تعاني من شح المياه، كما سيواجه ثلثا سكان العالم ظروفا معيشية متردية بسبب نقص الموارد المائية العذبة. نحن نشعر بذلك تماما في منطقتنا العربية؛ فمن بين 22 دولة عربية، هناك ثماني دول تعد من أقل الدول في العالم من حيث نصيب الفرد من المياه.

وقد لقيت قضية الأمن المائي أخيرا زخما في الساحة الدولية، وذلك بسبب صلتها بالسلام والأمن الوطني وأيضا بسبب مضاعفاتها على التنمية المستديمة. ففي مارس (آذار) من عام 2013، اتفق فريق عمل الأمم المتحدة الخاص بالأمن المائي على تعريف لمفهوم الأمن المائي بأنه: قدرة الشعب على الحفاظ والوصول المستديم لكميات ملائمة للمياه ذات جودة مقبولة من أجل:

(1) الحفاظ على المعيشة ورفاهية الإنسان والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

(2) ضمان الحماية من تلوث المياه والكوارث المرتبطة بالمياه.

(3) الحفاظ على الأنظمة البيئية في جو من السلام والاستقرار السياسي.

وعلى الرغم من شح المياه في منطقة الخليج، فإننا تمكنا من الاستثمار في تحلية مياه البحر واستخدامها للشرب ولأغراض أخرى كالاستخدامات المنزلية والصناعية. ولكن تبقى المياه الجوفية موردا استراتيجيا مهما لدعم الزراعة والأمن الغذائي ولدعم أنظمتنا البيئية الطبيعية التي تعتمد عليها قطاعات اقتصادية جديدة مثل السياحة البيئية. غير أننا نواجه تحديا مستمرا في ازدياد الطلب على المياه بشكل كبير ومنها المياه الجوفية، وخصوصا أن معدل التغذية الطبيعية لها منخفض جدا. ولهذا فإننا ندرك أن استخدامنا للمياه الجوفية غير مستديم وأن كمية المياه الجوفية المتبقية في الخزانات الأرضية في تناقص مستمر، وهذا يعني أن نفاد هذا المخزون الحيوي قد يحصل خلال العقود القليلة القادمة.

يجب علينا تغيير الطريقة التي نفكر بها نحو المياه. فنحن بحاجة إلى تحديد حجم المياه التي يجب أن نخصصها للاستخدام ضمن خططنا الاقتصادية، وبعبارة أخرى، أن يكون لدينا ميزانية مائية أو ما يعرف بـ«الميزان المائي». إذا كنا نريد تخصيص المزيد من المياه لقطاع اقتصادي محدد، فنحن بحاجة لخفض الاستهلاك في قطاع آخر، بنفس الطريقة التي تخصص بها الحكومات التمويل المالي للقطاعات المختلفة. وإذا قمنا بالإسراف في استخدام مياهنا فستتناقص ميزانيتنا المائية المتوفرة، مما يحد من المرونة المتاحة في المستقبل للتعامل مع القضايا المائية. وللعمل ضمن الميزان المائي نحن بحاجة إلى خطة استراتيجية محكمة.

خلال عام 2013، وبناء على توجيهات اللجنة العليا لوضع وتنفيذ الاستراتيجية المائية والزراعية بإمارة أبوظبي، قامت الجهات المعنية بقطاع المياه في أبوظبي بوضع استراتيجية خمسية لإدارة الموارد المائية في إمارة أبوظبي تغطي المصادر الثلاثة الرئيسة للمياه: المياه المحلاة، والمياه المعالجة، والمياه الجوفية، وتحدد عملية وضع الميزانية المائية اللازمة لكل القطاعات في الإمارة.

ضمن هذه الاستراتيجية، تعد هيئة البيئة - أبوظبي الجهة المختصة بإدارة المياه الجوفية في إمارة أبوظبي، وبالتالي سنعمل على تعزيز كفاءة استخدامها. وكلما كان ممكنا فنيا واقتصاديا، سنستبدل بالمياه الجوفية موردا آخر كالمياه المعالجة التي نستهدف إعادة استخدامها بالكامل بحلول عام 2018 لأغراض الري. كما سنعمل على الحد من تلوث المياه الجوفية وتملّحها من خلال خفض معدلات السحب من المياه الجوفية بنسبة 20 في المائة بحلول عام 2018.

ومن خلال هذه الاستراتيجية، ستعمل الهيئة على تعزيز المعرفة بحالة المياه الجوفية والكميات المستخرجة بشكل أدق واستخداماتها، وتعزيز قدراتها لتنظيم حفر الآبار ومنع بيع المياه الجوفية. وستعمل على وضع خطة شاملة لحماية المناطق التي تنخفض فيها مستويات المياه الجوفية بسرعة وتكون على وشك النضوب، على أن يجري توزيع مياه الري طبقا للحاجة الفعلية للمحاصيل.

تضافرت الجهود بين الجهات المعنية لتحقيق الإدارة المتكاملة لجميع موارد المياه: المعالجة والمحلاة والجوفية، وللحوكمة الفعالة لإدارة الميزانية المائية. فمن أهدافنا خفض الطلب على المياه وتنويع مصادرها بعيدا عن المياه المحلاة والجوفية.. على سبيل المثال، وفي إطار إدارة الطلب، سيجري بذل الكثير من الجهود لتعليم وتدريب المزارعين وتأهيلهم لممارسة عملهم بكفاءة أكبر. وسيجري من خلال تخطيط المدن تخصيص زراعة أنواع محددة من النباتات التي تضفي لمسة جمالية على الإمارة من دون كثرة استهلاك المياه بطريقة تتعدى الميزانية المائية المخصصة لها. كما تهدف الاستراتيجية إلى تحسين شبكات توزيع المياه وتقنيات الري لدينا.

يعد الابتكار من أهم أسس نجاح الاستراتيجية على مستوى وضع السياسات وقياس العرض والطلب، مثل استخدام الطاقة المتجددة في تحلية المياه وغيرها من المجالات.

كانت نقطة البداية لهذا العمل الاستراتيجي البيانات والمعلومات حول مدخلات وعمليات السحب من الميزان المائي. وتعد الحاجة إلى بيانات ومعلومات وافرة عن المياه خطوة أساسية لتعزيز اتخاذ القرارات، وهي أهم ما تحتاجه الدول التي لديها ميزانيات ضئيلة للمياه، والكثير منها يقع في هذه المنطقة.

نحن نؤمن أننا على الطريق الصحيح، وهذه بداية طيبة في تناول قضايا المياه لدينا، ولكننا لا نملك كافة الحلول، والمشكلة التي نواجهها ليست مستقرة، بل على العكس فهي ديناميكية ومتقلبة للغاية. إذا لم نقم بإدارة مصادرنا المائية اليوم بطريقة فعالة فسيقل ميزاننا المائي في المستقبل، في الوقت الذي نتوقع فيه نموا سكانيا واقتصاديا، مما يعني تزايد الطلب على المياه. وكقادة ورواد في هذا المجال، فإنه من الضروري أن نبقى على أعلى درجة من اليقظة والتركيز على هذه القضية والحفاظ عليها ووضعها على رأس قائمة أولوياتنا، وأن نستمر في التعاون والمشاركة والاستماع والتعلم.. بهذا يمكن أن نكون جزءا من الحل ونوفر مثالا يحتذى في المنطقة العربية والعالم.

* أمين عام هيئة البيئة - أبوظبي