صورة الثورة في سنتها الثالثة

TT

إذا انتقينا عشوائيا بعضا من الصور الواردة إلينا من سوريا في الأيام الماضية فإن وقائع ثلاثا ستعلق في الذاكرة: مشهد آلاف المحاصرين بين الأنقاض في مخيم اليرموك والذين خرجوا يستجدون حياتهم المهددة بموت بطيء.. الثاني هو فيديو لطفلة جريحة باكية تناشد من يضمد دماءها النازفة أن لا ينزع عنها زيّها الجديد الذي تشبع بدمائها.. والصورة الثالثة بثها إعلام النظام السوري والإعلام الموالي له لجرافة ترفع جثث عشرات من الأشخاص قيل إنهم مقاتلون سقطوا في كمين..

واختيار مثل هذه الصور وتصدرها إما للإعلام وإما لمواقعنا الخاصة هو بمثابة تمرين يومي تآلفنا معه لرصد الحدث السوري، من خلال ما يردنا من فيديوهات ولقطات، سواء التقطها معارضون أم مسلحون أم مواطنون، أو ما يبثه النظام نفسه، فنختار منها ما نجده صادما ومعبرا، ونتحاشى تلك التي لا قدرة لنا على احتمال فظاعتها..

وهذا التمرين هو أشبه بجلد يومي للنفس نجد أنفسنا عاجزين عن مقاومته، فبتنا كالمدمن الذي تكفيه جرعة صغيرة في البداية لكنه مع تفاقم حاله لم يعد يتأثر مهما ضاعف الجرعات..

أليس هذا حالنا مع هذا العجز عن التأثير في كل ما يجري حولنا؟

فصورة اليرموك هي في عرفنا نتيجة مرعبة لحصار النظام وقتله البطيء للاجئين الفلسطينيين، كما لشعبه. وصورة الطفلة الجريحة هي ذروة البؤس الذي يعصف بأطفال سوريا وبأمنهم وبأحلامهم. وفي الصورة الثالثة ذاك القتل البارد والاحتقار للخصم حتى لو كان جثة هامدة..

لكن ما الذي تغير جراء مشاهدتنا لتلك الصور ومعرفتنا بالوقائع المحيطة بها.. لا شيء.. تماما كما كان الحال قبل ثلاث سنوات..

ها هم السوريون يقتربون من الذكرى الثالثة لثورتهم التي استحالت كابوسا جاوز فيه العنف المطلق السراح كل التوقعات. نعم، لقد نجح الجميع في جعل الموت السوري سهلا وبلا ثمن ويكاد يكون بلا أثر. إنها الذكرى الثالثة، ولعل في تكرار المواعيد والذكريات رتابة ومللا تسلل إلى كل ما له علاقة بالألم السوري. ما أضعف المعنى والعبرة التي يفترض أن تستنبط من مثل هكذا محطات.

يمكن في مثل هذه المناسبة أن نمارس عقلا باردا كما تفعل مراكز بحوث التوثيق مثلا، والتي تواظب على تكرار فكرة كم أن الصور الواردة إلينا عبر وسائل التواصل الاجتماعي من سوريا يصعب التحقق منها وكم هي مضللة في غالب الأحيان.

لست في وارد نقاش الخسائر الفادحة التي ألمت بحراك السوريين جراء آلاف الصور إما المفبركة وإما تلك التي تصور فظائع يقدم عليها من يفترض أنهم معارضون. بعد ثلاث سنوات وبعد ملايين الصور لا مفرّ من العودة إلى لب الأزمة، كيف ترك العالم السوريين يموتون على هذا النحو؟

بعد ثلاث سنوات نجح النظام في جعل البلاد قاعا صفصفا..

نظام ليس أكثر من عصبة قتلة بطائرات وسلاح ثقيل وغازات سامة، ومعارضة لا كيان واضحا لها ولا مستقبل، وعصابات جانحة تزداد جنونا ودموية..

الرابح الوحيد هو ذاك الموت والبؤس المصور، لكن المشكلة أن كلا الطرفين بات عاجزا عن استثمار صورة الألم والموت هذا. لا نعرف كم هو تماما عدد الضحايا ولا إلى أي حدود سيرتفع في الغد.. لكننا سنبقى أسرى السؤال الأول: من المسؤول عن كل هذا القتل والموت؟

diana@ asharqalawsat.com