موجة هائلة قادمة!

TT

المجتمعات حول العالم مقبلة على مرحلة «حرجة» و«ملغمة» من التحديات غير المسبوقة في مجالات الحقوق والسياسات والتشريعات، فها هي قوانين «جديدة» تسن ويحارب لأجلها تحت مظلة الحقوق والمساواة، تصيب المجتمعات بالصدمة، وتجعلها في حيرة من أمرها في كيفية قبول الفكرة من الأساس وأسلوب التعامل معها.

اليوم، يطلق العالم الغربي مجموعة من المبادرات الحقوقية وبالتدريج؛ فزواج «الشواذ» جنسيا أصبح بالتدريج زواج «المثليين»، وتحولت مطالبهم بالتدريج أيضا إلى حقوق تدخل ضمن المستحقات والحقوق الدستورية للمساواة بين المواطنين، وبات تشريعه دوليا مسألة وقت.

وها هي نبتة الماريغوانا المخدرة يتم السماح ببيعها علنا وتعاطيها في إحدى الولايات المتحدة (كولورادو)، ومن المرشح أن تلحقها ولايات أخرى. وهي مسألة قد فعلتها من قبلُ هولندا في أوروبا، ومن المتوقع أن تقلدها دول أخرى. وطبعا كان الأمر في العشرينات من القرن الميلادي يتعلق «بالسماح» ببيع وتجارة المشروبات الروحية بشكل علني وهو ما تم. والشيء ذاته كان بالنسبة للقمار وصالاته وممارسته. وهناك قوانين الإجهاض أيضا التي تحتل مساحات هائلة من الجدال النظامي والقانوني لإقراره بشكل عام.

إنها كلها نماذج للخلط الذي حصل بين مفهومي الحرية Freedom والتحرر Liberty؛ فالمفهوم الأول كان دوما له غطاء وسقف أخلاقي Moral Ceiling، وعادة ما كان مبنيا على معطى ديني، وهو الذي تأسست عليه مفاهيم الدستور الأميركي، على سبيل المثال، لمجموعة من «الأنقياء» Puritans من البروتستانت كما يوصفون أنفسهم، هربوا من الاضطهاد الديني ليؤسسوا الحق في حريات الممارسة والعيش والاعتقاد لهم ولغيرهم.

ولكن هذه المسألة تغيرت كثيرا مع حلول عقد الستينات الميلادية من القرن الماضي، حيث انتشر استخدام المخدرات بشكل عشوائي، وتمت محاولات «الربط» العلمي بين المخدرات والإبداع وعلم النفس، وهي محاولات أول من قام بها كان عالم النفس النمساوي سيغموند فرويد الذي كان يحاول إيجاد علاقة بين كل ذلك ومخدر الكوكايين.

وكان مفهوم التحرر يأخذ أبعادا أكبر مع حركة حقوق المرأة، التي كان بعض المناديات بها يخلطن بين المساواة في الحقوق (وهو مطلب سليم ومحق ومطلوب) والتعري في الشوارع وحرق حاملات الصدور. كل ذلك بحجة أن الرجل يمشي عاري الصدر وللمرأة الحق نفسه أيضا، وأصبحت الحرية تحررا وبلا سقف أخلاقي، وفقدت كل المؤسسات مكانتها وهيبتها، مؤسسات الدين والرئاسة والدولة والقانون والأسرة، كل ذلك باسم حريات الرأي والتعبير، ولكن من دون سقف أخلاقي.

في السبعينات الميلادية من القرن الماضي، رفعت إحدى الكنائس المسيحية في ولاية كاليفورنيا دعوى على ناشر إحدى المجلات الخليعة المعروفة باسم «هاصلر»، وكان ادعاء الكنيسة أنها مجلة تدعو لنشر الرذيلة وللقيم السفلية، فطلب محامي الناشر من القاضي أن يعرّف معنى «الخلاعة» و«الإباحية»، فقال القاضي رده الشهير الذي تحول إلى مثل يستشهد به: «لا أعرف كيفية تعريف ذلك ولكنني أعرفه حين أراه». واليوم، العيب والحرام القادم يمثل «فسادا» كالسوس في الأجساد المجتمعية التي تهدد استقرارها تماما، كما حدث مع المجتمعات الإغريقية والرومانية التي تآكلت بسبب انتشار الرذيلة والتسامح فيها.

نحن مقدمون على «موجة» هائلة من التحديات القانونية والحقوقية، مدعومة بوسائل تواصل وإعلام تجعل «الحدث» ينتشر، والاعتراض والتفاعل معه وعليه أشبه بالمظاهرات.

ومن هنا، لا بد من وقفة قانونية تحمي المجتمع ولا تقيده، تتيح الحرية وتمنع التحرر، إنه تحد قانوني واجتماعي وحضاري، ولكن نحتاج للتعامل معه بصورة استباقية وتحضيرية قبل فوات الأوان، وأن تصبح المسألة برمتها مفروضة علينا بلا حول ولا قوة.

الاستعداد النظامي والقانوني الدقيق والاستباقي لم يعد مطلبا، بل أصبح واجبا!