إستراتيجية أميركية من الماضي

TT

قال الشاهد: كان الجنرال «متوتراً بوضوح بسبب التأخير الطويل» في المطار. «كان يبدو تائها، وتحدث في منطقة عامة بصوت مرتفع عن أهمية موقعه كقائد للقوة النووية الوحيدة الجاهزة في العالم، التي تنقذ العالم من الحرب كل يوم». هكذا نقل المفتش العام عن الشاهد في تقريره عند وصوله إلى موسكو، «مرة أخرى بدأ في مناقشات بصوت مرتفع عن موقعه كمسؤول عن القوة الجاهزة المنشورة، وانقاذ العالم، ثم بدأ في حكاية قصة عندما كان صاحب أقل روح معنوية وسط الطيارين في القوات الجوية».

وعلى الرغم من أنه مضى ـ ونأمل في ذلك أن لا يسمع الناس في الفنادق الروسية بعد هذا عن المسائل المتعلقة بروحنا المعنوية بأصوات عالية، وكلمات مُدغمة بسبب هذا التيهان من رجل مسؤول، فلا يزال الرجال والنساء المسؤولون عن صواريخ أميركا النووية في مشكلة، عندما يتعلق الأمر بالروح المعنوية وأكثر بكثير.

ما حدث مؤخراً من فصل من الخدمة أو إنزال رتب لكبار الضباط من القيادة النووية، وكذلك اختبارات الاستعداد الفاشلة والتحقيق حول الخداع المستشر حول الاختبارات من ضباط الإطلاق، وتحقيق كبير حول تعاطي المخدرات بين بعض الضباط، لا يحقق السجل المطلوب لبيئة عمل لأناس يفترض أن يقوموا بإطلاق الصواريخ النووية خلال دقيقتين، إن أصدر الرئيس أمراً بإطلاق الصواريخ.

وأعلن البنتاغون للتو خططاً لتقليص الجيش إلى حجم أقل من أي حجم مضى منذ الحرب العالمية الثانية، ويطالب خفض النفقات العسكرية التلقائي الذي صوت عليه الكونغرس في 2011 بخفض أكبر في القوات، لكن وزارة الدفاع وإدارة أوباما يصدون عن ذلك. وهما يريدان أيضاً قوات بحرية أكبر مما يريده الكونغرس، وزيادة عدد القوات الخاصة، لكن لا يزال الاتجاه العام يميل إلى القوات الأقل حجماً.

ليس من مفاجأة في هذا: بما أننا نطوي أطول حرب في تاريخ أميركا خاضتها أميركا إلى جانب حروب أخرى طويلة، فليس من المناسب أن يتوقع أحد أن يبقى الجيش الأميركي إلى ما لا نهاية على ذات المستوى. ولا يعني طلب البنتاغون بخفض النفقات أكثر من مقاتلات «وورثوغ إيه 10» وتوديع طائراتنا للتجسس «يو 2» لصالح طائرات «درون غلوبال هوك» وخفض 20 سفينة قتالية ساحلية من سفن الأسطول. أما بالنسبة للعربة المدرعة القتالية الأرضية، دبابة المستقبل فعلى المستقبل أن ينتظرها. وعلى الرغم من قيامنا بكل هذا الخفض في نفقات الدفاع، فإن جميع الصواريخ النووية من فترة السبعينات لا تزل في مستودعاتها في وايومينغ بولاية داكوتا الشمالية ومونتانا؟

كما قال الجنرال التائه، فإن هذه الصواريخ عابرة القارات، هي قوة نووية جاهزة منشورة. فهي ليست في مستودعاتها من أجل التخزين، بل هي مستعدة للانطلاق. ولكن هل نصدق تباهي هذا الجنرال بأن الصواريخ التي لا تحتاج سوى إلى مسة خفيفة لإطلاقها، تنقذ العالم من الحرب كل يوم؟ حتى إن كان هناك سيناريو بتهديد للولايات المتحدة، فهل أفضل ما يمكن التعامل معه هو بإطلاق المئات من الأسلحة النووية، فقاذفات «بي 2» وغواصات «ترايدنت» يمكنها إطلاق مثل تلك الأسلحة بسهولة على أي مهاجم في كوكبنا يتكرم باعطائنا عنوانه. وحين يدرس بوتين خياراته في شبه جزيرة القرم، فهل نعتقد حقاً بأنه يشعر أن قراراته مقيدة بأسلحتنا النووية، ولكن ليس أسلحة الجيش الأميركي التي على الطائرات والغواصات، بل فقط تلك التي تقبع تحت الأرض في مونتانا؟

إذا كنا نفكر في المجالات التي نخفض فيها النفقات من دون إيذاء أمننا القومي وجاهزيتنا العسكرية، فإن صواريخنا المتمركزة على الأرض، تلك الصواريخ في السهول العالية تومض باللون الأحمر لجلب الانتباه.

وعلى الرغم من أنه لم يضطر أحد إلى منع إطلاق عرضي لصاروخ بسبب إيقاف عربة مدرعة على أبواب المستودع منذ الثمانينات (قصة حقيقية)، فإننا لا نقوم بعملنا كما يجب فيما يتعلق بالمسؤولية عن صواريخ «مينوتيمان 3» العابرة للقارات. ولكننا لسنا فاشلين لدرجة استسلامنا للحتمية: في غياب أية مهمة واقعية يمكن استخدام هذه الصواريخ فيها، فإن الحفاظ على الروح المعنوية والدقة مع عدم وجود خطأ بنسبة 100% في المائة، عبر عقود هو تحد مستحيل تقريباً.

إن الفشل الحقيقي هنا سياسي: يحتاج صناع القرار المدنيين إلى اتخاذ القرارات المناسبة بالنسبة لمجمل الاستراتيجية الأمنية للولايات المتحدة، وترتيب أولويات الانفاق العسكري. وفي زمن خفض النفقات واعادة التنظيم، عندما يجب اتخاذ القرارات الصعبة حول ما ينبغي إنقاذه، وما يجب تركه ليمضي، فإن مواصلة إنفاق مليارات الدولارات على مستودعات الصواريخ تلك، هو فشل في المساءلة، وفشل في الواقعية حول نوع الحروب التي نتصور أن نخوضها في المستقبل.

يُصف التقرير الأولي حول خفض النفقات التي يعتزم البنتاغون تنفيذها هدف «جيش يستطيع هزم أي خصم، لكنه اصغر من أن ينجح في الاحتلال الأجنبي المُطّول». فبعد سنوات في العراق وأفغانستان، لا نريد المزيد من عمليات الاحتلال الأجنبي المُطّول، ولذلك فإننا نخطط لمستقبل عسكري بدون احتلال؟ ما لم يرغب أحد في التعبير عن تبادل لمئات من الصواريخ ذات الرؤوس النووية عابرة القارات المتمركزة على الأرض مع روسيا، ومن الهراء أن نواصل التخطيط لذلك، عقداً بعد عقد بمثل تلك التكلفة العالية والمخاطرة الكبيرة.

* خدمة «واشنطن بوست»