روسيا وإيران مع «الحل اليمني» للأزمة السورية!

TT

السنوات العشرون الماضية أبقت المملكة العربية السعودية على أسعار النفط مقبولة هذا من جهة، ومن جهة ثانية ليس في العالم دولة لديها من القدرات النفطية ما لدى السعودية، كما أن المملكة تمثل بالنسبة إلى الولايات المتحدة عنصرا حيويا، يعني وظائف داخل أميركا (شركات الصناعات العسكرية، شركات الغذاء، شركات الأدوية، المجمعات الصناعية، إضافة إلى الشركات الأميركية داخل المملكة)، وأميركا تريد على الدوام توفير الوظائف لمواطنيها، كما أن الودائع المالية السعودية هي في سندات الحكومة الأميركية. وفي طرف آخر فإن إيران لا تستطيع أن تفعل هذا. وبنظر محدثي - المصدر الأميركي المطلع، فإن السعودية ستبقى بين الدول العشر الأوائل التي ترتبط أميركا معها بأفضل العلاقات، ويوضح:

«إيران لا تستطيع أن تعوض أي دور سعودي، كما أن أميركا لا تستطيع أن تثق بإيران، ولبناء علاقات متينة بين الدولتين، هناك حاجة إلى ما لا يقل عن عشر سنوات لسبر النوايا».

ويقول: «لا يمكن نسيان أن الحكم السعودي متماسك وقوي في الداخل، وأمام هبات الخارج، فالسعودية تجاوزت الإنجليز، وتجاوزت جمال عبد الناصر، وصدام حسين ومعمر القذافي، ويمكن القول إنها تجاوزت الثورة الإيرانية، وما من أحد يريد عدم استقرار الخليج».

لكن ماذا عن «الشايل أويل»، الذي تقول أميركا إنها بسببه ستدير ظهرها للشرق الأوسط والخليج العربي؟

يجيب المصدر الأميركي: «تكلفة استخراج برميل واحد من هذا النفط تتراوح بين 65 و70 دولارا، أميركا تراهن على أن تظل أسعار النفط فوق 90 دولارا، ولهذا تتطلع إلى السعودية لخفض إنتاجها».

من جهة أخرى، إذا ارتفعت أسعار النفط فالضرر يقع على أوروبا والصين واليابان. أميركا لا تستورد أكثر من 12 في المائة من نفط الخليج، والباقي من كندا والمكسيك، إنما من سيتأثر فهما والصين واليابان. وإذا تأثرت الصين تأثرت أميركا، لهذا تبقى السعودية الميزان النفطي العالمي».

مع النفط، يقول محدثي: «هناك سوريا، وبعد اجتماع مسؤولين أمنيين كبار من دول غربية وعربية في واشنطن قبل أسبوعين، بات في حكم المؤكد حصول تفاهم أميركي - خليجي حول موضوع سوريا: من سنساعد، من سنقوي ومن سنضعف».

أسأل محدثي: «إن مصداقية أميركا والثقة بالإدارة الحالية صارتا على المحك؟»، يجيبني المصدر الأميركي: «إن الذي جعل أميركا تفكر مرتين قبل التدخل في سوريا أنها استوعبت درس بغداد. دخلت القوات الأميركية ووقع الفراغ هناك. لو أسقطنا النظام في دمشق، وعمت الفوضى، حيث الأسلحة الكيماوية ما كان سيحصل؟ ثم إن الرئيس باراك أوباما لا يريد التورط بإرسال قوات أميركية. ما أقلق واشنطن هو السياسة القطرية والتركية، إذ شعرت بأنها ستكون القوات الجوية لتنظيم القاعدة وجبهة النصرة». ويضيف: «أيضا لم يقدم أحد قضية مقنعة لإدارة أوباما، لم يوضح أي طرف كيف سيسقط الأسد ويبقي النظام والمؤسسات والجيش. كذلك تخوفت واشنطن من مذابح ضد الأقليات هناك»!

ويقول محدثي: «فوق كل هذا كانت الأولوية لإيران. ضرب سوريا كان سينسف الاتصالات مع إيران. لو ضربت سوريا لسقط الاتفاق المبدئي مع إيران، ولأدى إلى مشكلة مع روسيا. أميركا بحاجة إلى روسيا لإمدادات السلاح إلى القوات الأميركية في أفغانستان، ولو قصفت أميركا سوريا لأغلقت روسيا طرق الإمدادات هذه».

الإدارة الأميركية، من سوزان رايس، مسؤولة الأمن القومي، إلى جون كيري، وزير الخارجية، إلى تشاك هيغل، وزير الدفاع، يتطلعون إلى اتفاقية تامة مع إيران. ومما يجدر ذكره أن رايس هي التي بدأت الاتصالات مع الإيرانيين، ومع محمد جواد ظريف، وزير الخارجية، عندما كانت في الأمم المتحدة.

أسأل: لكن أوكرانيا قد تنسف كل تنسيق أميركي – روسي؟

يجيب: «أوكرانيا ضربة للرئيس فلاديمير بوتين، إنها شريان مهم لروسيا، ويجب على الأميركيين أن يكونوا حذرين، ولا يستفزوا الروس. الدور الروسي في تشجيع إيران على التعاون مع أميركا مهم جدا، وليس من المستبعد أن يتغير موقف روسيا تجاه إيران وسوريا».

يضيف: «إن الأوروبيين لا يريدون أن تقسم أوكرانيا، إنها أهم لأوروبا منها لأميركا». يقول: «إن الروس يمكن أن يسببوا أزمة في أوكرانيا، وآخر ما يريده أوباما أزمة جديدة».

يريد أوباما تكرار انفتاح الرئيس ريتشارد نيكسون على الصين، بأن ينفتح هو على إيران فيما يسمى: تغيير اللعبة. يؤكد محدثي، أن الاتفاق مع إيران يجب ألا يقلق حلفاء أميركا في المنطقة. تريد إيران شيئين: رفع العقوبات، وعلاقات جيدة مع أميركا، لكن، كما يقول، «إن العلاقات الجيدة لا يمكن أن تقوم على زعزعة الأنظمة في منطقة الخليج، وهذا يمتد إلى سوريا ولبنان، لأن السياسة الإيرانية ستتغير حتما».

يعطي مثلا على ذلك، أن الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة تمام سلام، تشكلت من دون معرفة سوريا «أرسلت طهران رسالة إلى الأميركيين، وبعض العرب، مفادها أنها على استعداد للعمل معهم».

أقول، لكن إسرائيل دخلت على الخط، فقصفت موقعا لحزب الله على الحدود اللبنانية - السورية، وأخّرت صدور البيان الوزاري للحكومة الجديدة، وأحرجت الدولة اللبنانية، يجيب بتأكيد: «هناك نوعان من السلاح الروسي إذا ما حاول حزب الله عن طريق سوريا أو إيران إدخالهما إلى لبنان، يدفعان إسرائيل إلى رد حاسم، لأنهما يخلان بالوضع القائم بالنسبة إلى التسلح في المنطقة؛ الأول هو الصاروخ البحري (ياخونت) الذي يهدد منصات إسرائيل البحرية، ويمكن توجيهه أيضا إلى منشآت الغاز الإسرائيلية في المتوسط، والنوع الثاني الصاروخ المضاد للطائرات (S.A – 17)، الذي قد يعرض الطيران الإسرائيلي للخطر».

يضيف: «الضربة الإسرائيلية الأخيرة تدخل في هذا الإطار، حيث حاول حزب الله بالتنسيق ربما مع سوريا أو مع إيران الحصول على هذه الصواريخ وإدخالها إلى لبنان. إن هذه الصواريخ لن يكون لها تأثير مباشر على الوضع الداخلي في لبنان، لكنها تشير إلى أن حزب الله بحصوله عليها يريد أن يحتكر قرار الحرب مع إسرائيل وليس الدولة اللبنانية. ثم إن الحزب يعرف أن تغيير معادلة التسلح في المنطقة ممنوع، وقد أبلغته إسرائيل ذلك عبر أطراف أخرى، وأميركا تعرف وعلى علم».

وحسب رأي محدثي، إن هذه الضربة لن تؤثر على سير المفاوضات الأميركية – الإيرانية. ويقول: «الاتفاق وارد والسبب أن الأميركيين يصرفون وقتا طويلا عليه. أوباما يسأل عن إيران ما بين 10 و15 مرة يوميا لأنها تحتل الأهمية الأولى بالنسبة إليه».

وإلى أي مرتبة سقطت سوريا؟ أسأل. يجيب: «الأسد صار عبئا على إيران، لا أصدقاء له خارج سوريا. الدور الروسي – الإيراني مهم جدا بنظر أميركا، فالدولتان قادرتان على إقناعه، إذا كان سيرفض مغادرة سوريا، بأن يقبل مصيرا مثل مصير علي عبد الله صالح في اليمن، نتيجة معادلة الإبقاء على النظام والمؤسسات، مع إشعار طهران وموسكو بعدم التعرض لمصالحهما وبأن سوريا لن تتحول عدوا لهما».

أشير إلى أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس سيتوجه في 17 من الشهر الحالي إلى واشنطن، يقول محدثي: «نصيحتي إلى الفلسطينيين بألا يضيعوا الفرصة الأخيرة وينسحبوا من المفاوضات. عليهم أن يوافقوا ويتحفظوا. بعد انتخابات الكونغرس في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، سيصبح الرئيس أوباما حرا في الضغط على من يشاء»!