أسئلتك تفضحك

TT

يقول الفيلسوف الفرنسي فولتير: «احكم على الفرد من أسئلته لا من أجوبته». والمتأمل لهذه المقولة المهمة يجد فيها شيئا من المنطق؛ فالأسئلة عرفت بأنها وسيلة للحصول على المعلومات أو تجميع البيانات أو تحصيل المعرفة، غيرها أنها في الحقيقة تكشف عن مكامن شخصية السائل وطريقة تفكيره.

فمن الأسئلة مثلا ما يحاول بها صاحبها أن يستهزئ أو يتندر أو يشير بأصابع الاتهام إلى تقصير نظيره أمام مديره.. فيقول، مثلا، لزميل أمام مسؤوله: هل انتهيتم من التقرير الفلاني؟ وهو يعلم علم اليقين بأن الإجابة بالنفي، لكنه نوع من الرغبات الدفينة في الانتقام بسبب موقف مشابه تعرض له من الشخص نفسه.

كما أن نوع السؤال يجعلنا ندرك أن الشخص قد وقع في مأزق، أو ملل، أو يتحاشى الخوض في أمر شخصي سئل عنه، فيحاول تغيير دفة الحوار بسؤال مختلف. وهناك من أعضاء فرق العمل ما تكشف أسئلتهم عن أنهم لم يحضروا جيدا للاجتماع، وذلك حينما يسألون عن أشياء ذكرت في المادة المسلمة لهم قبل انعقاد الاجتماع. وما أكثر ما نقع في حرج طرح سؤال سبق أن نوقش شفاهة، لكننا كنا شاردي الذهن.

وربما لا ينتبه البعض إلى أن إلحاح الفرد على طرح سؤاله بصيغ متعددة لدليل على أن هذه الجزئية هي التي تشغله، وهو خطأ شائع نقع فيه حينما ننسى أن استمتاعنا بالموضوعات التي نختارها لا تتماشى بالضرورة مع مستوى تفاعل أو اهتمام المتلقي، فيضطر جليسنا إلى أن يسأل كي يصل إلى مبتغاه.

ويلجأ البعض إلى السؤال لإضاعة الوقت، مثل لاعب كرة القدم المنتصر حينما يركل الكرة عمدا إلى خارج الملعب ليكسب مزيدا من الوقت. ولذا، فإن دور مدير الحوار أو الاجتماع الفطن يتوقع أن يكون حازما في رد المشاركين إلى صلب الموضوع حتى لا يهدر وقت المشاركين.

السؤال عموما ليس عيبا، إذا كان بغرض الاستزادة المعرفية، لأنها فطرة بشرية.. حتى وإن كثرت الأسئلة، فإنها تبقى صحية، لأنها قد تكون دليلا على أن المتحدث لم يقل ما يكفي. وهو سلوك ينشأ معنا منذ نعومة أظفارنا.. وأذكر أن استطلاعا بريطانيّا للرأي أظهر أن الأمهات البريطانيات يواجهن أسئلة من أطفالهن تفوق الأسئلة التي يوجهها النواب إلى رئيس الوزراء ديفيد كاميرون خلال الدقائق الـ60 من جلسته البرلمانية الأسبوعية، وذلك بحدود 288 سؤالا طوال الـ12 ساعة؛ أي بمعدل سؤالين كل دقيقة! وهي غريزة بشرية، لكنها تخف تدريجيا حينما يتقدم الإنسان في العمر وتزداد خبرته.

ويبقى السؤال، الذي لا نلقي له بالا في الحوار، مؤشرا مهمّا على ما يدور في أذهان جلسائنا، لأنه يكشف كثيرا مما يحاول البعض إخفاءه.. ذلك أن السؤال «ترمومتر» نقيس به شيئا من مزاج الشخص ودوافعه وطريقة تفكيره.

* كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]