مشكلة السيطرة على النسل

TT

السعي للسيطرة على النسل وتنظيم الأسرة، من الأمور التي شغلت البشرية لقرون. عرب الجاهلية حاولوا ذلك بوأد البنات، الماكينات المنتجة للنسل. وبعد أن حرم الإسلام العرف، التجأ الناس إلى قتل الزانية. توصلوا في أوروبا إلى صنع العازل. وكانوا يصنعونه من حرير مكثف. ولم يكن ناجحا دائما في منع الحمل. ولكن اكتشاف المطاط فتح لهم إمكانية صنع العازل من المطاط. أثبت نجاحه بشكل كبير. بقيت مشكلة إقناع الأزواج باستعماله.

روى صديقي إبراهيم دنكور - رحمه الله - فقال إن تاجرا يهوديا في بغداد فطن إلى هذه البضاعة وإمكاناتها، فاستورد كمية منها. ولكن المشكلة في سلعة جديدة كليا أن على المستورد والبائع أن يسوّقا هذه السلعة بحملة دعائية واسعة وإهداء نماذج منها للمسؤولين والمديرين والمؤسسات الخيرية. ولم يعرف الرجل كيف يقوم بذلك من دون أن يورط نفسه في مشكلة. مثلا، كيف يهدي علبة عازل لأحد المسؤولين أو لعميد إحدى الكليات.

فضلا عن ذلك، الحملات الدعائية، كشراء إعلانات في الجرائد، وتعليق ملصقات في الأماكن العامة تتطلب تصاوير تغري على الشراء وعبارات أدبية ظريفة. كيف يفعل ذلك بمثل هذه المادة؟

وماذا سيقول المسلمون عنها؟ سيقولون هذا التاجر يريد أن يحد من نسلنا.. وبالنسبة للنصارى، سيكون تعاطي هذه السلعة كفرا بعد أن حرمت الكنيسة الكاثوليكية استعمالها.

الحقيقة أن ذلك التاجر أوقع نفسه في ورطة كبيرة. كان بإمكانه أن يتقبل الخسارة ويلقي البضاعة في نهر دجلة وينفض يده منها. ولكن زملاءه من أبناء دينه حذروه من مغبة ذلك. قالوا إن صيادي السمك سيشبعونه ضربا إن لم يقتلوه على فعله هذا. سيفسرون عمله كمحاولة لقطع نسل السمك.. متى سمعوا بتاجر يهودي يلقي بماله وحلاله في النهر؟! لا بد من سوء نية في العمل.

أخيرا، التقى تاجرا يهوديا كرديا من السليمانية. حكى له عن مشكلته. فقال له: «عازل مازل أنا ما بفهم. أنا بشوف أعرف». فتح له علبة وأطلعه على البضاعة.

«أوه! هذا مثل بالونات أيام مال زمان أول».

اشترى منه البضاعة ونقلها إلى السليمانية ونفخ ثلاثة منها وعلقها فوق دكانه. وكتب تحتها: «تحب أولاد، اشتر لهم أحسن ونسة». لم يمض يومان على ذلك حتى أصبح جميع أولاد المدينة يلعبون بهذه النفاخات الظريفة. وتخلص اليهودي الكردي من البضاعة مع ربح معقول.

وفي بغداد، تسلم التاجر المستورد رسالة من صاحبه في السليمانية يبشره بنفاد البضاعة ويطلب المزيد منها مع هذا الاقتراح. قال إن الأطفال في السليمانية شغفوا بهذه النفاخات، ولكنهم يسألون دائما لماذا بلون واحد. يريدونها بألوان زاهية. أحمر وأخضر وبرتقالي وكل لون وشكل.