الحكومة الإيرانية وقضية الـ«فيسبوك»

TT

تتبنى إيران وجهتي نظر متباينتين تجاه الـ«فيسبوك» والإنترنت ككل؛ الأولى يمثلها آية الله جنتي رئيس مجلس الأوصياء، ومن ناحية أخرى ابنه علي جنتي وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي. الأب هنا يمثل دور رجل الدولة التي يقودها آية الله خامنئي كمرشد أعلى للدولة، والابن يمثل الحكومة التي يقودها الرئيس حسن روحاني.

إذا أراد المرء أن يعرف حقيقة العلاقات السياسية في إيران، فما من سبيل لذلك سوى أن يضع في اعتباره هذه الازدواجية.

قبل بضع سنوات، قال آية الله جنتي صراحة في خطبة الجمعة في طهران، إن الإنترنت حرام، لأنه يعادي القيم الإسلامية، واليوم يتبنى الابن وجهة نظر مغايرة تماما، تتعارض مع وجهة نظر والده.

ونقلت وكالة الأنباء عن علي جنتي في 23 فبراير (شباط) قوله: «لن تتمكن إيران من الاستمرار إلى الأبد في حظر الوصول إلى محاور الإنترنت، مثل الـ(فيسبوك)، فهناك أربعة ملايين إيراني مشترك على الـ(فيسبوك). صحيح أننا فرضنا قيودا عليه، لكننا لن نستطيع فرض قيود على تقدم مثل هذه التكنولوجيا بحجة حماية القيم الإسلامية». لم تكن مثل تلك التصريحات متوقعة من وزير إيراني، فالدخول إلى موقع شبكة التواصل الاجتماعي الشهيرة - والشبكات الأخرى التي تعتبرها السلطات الإيرانية غير إسلامية وغير أخلاقية وتدمر المؤسسة الإسلامية - يتم حجبه عبر آلية فلترة ضخمة. لكن الإيرانيين البارعين في أمور التكنولوجيا لجأوا إلى تدابير، تعرف باسم مكافحة الفلترة، للتحايل على القيود. وشبه جنتي ذلك بالحظر الذي فُرض على أجهزة الفاكس وأشرطة الفيديو ومشغلات الموسيقى، والذي فرضته الثورة الإسلامية عام 1979. وقال جنتي: «إذا نظرنا إلى الماضي، فسنجد أن العديد من الإجراءات التي اتخذناها بعد الثورة كانت سخيفة». وتخضع المواقع غير المعتمدة لنظام الفلترة. ويشمل الحظر الـ«فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب» والعديد من المواقع الأخرى، بما في ذلك المدونات، لكن الفلترة إحدى القضايا التي تتطلب بعض الوقت. وسيجري حلها في الوقت المناسب.

كيف يمكننا التعرف بشكل صحيح على هذين الموقفين بالنظر إلى الفجوة الكبيرة بينهما. هذان النهجان ينتميان إلى فلسفتين مختلفتين؛ الأولى (آية الله جنتي) تركز على فهم تقليدي للدين - الإسلام. والثانية تركز على الواقع الحالي في عصرنا.

خلال العقد الأول من الثورة الإيرانية، بحسب علي جنتي، حظرت مشغلات الفيديو في إيران. وعلى الرغم من ذلك، كان غالبية الشعب الإيراني، بما في ذلك أعضاء مجلس الوزراء والنواب، وغيرهم من السلطات، يمتلكون تلك الأجهزة في منازلهم! وبدا واضحا أننا لن نستطيع أن نأمر الناس بضبط حياتهم الخاصة، وفقا لرغبات الحكومة.

فرض مثل هذه القرارات على حياة المواطنين الخاصة، يجعل الحكومة السبب الرئيس في كل مظاهر النفاق في مجتمعنا. وربما كان ذلك السبب في مقولة الشاعر الكبير جلال الدين الرومي: «عندما ندمر حياة الناس الحقيقية، يضطرون إلى ارتداء أقنعة مختلفة».

فلا تنبس ببنت شفة! ولا تتكلم أبدا عن مشاريعك وأحلامك ولا عن مالك أو أفكارك. هذا يعني أن الإيرانيين لا يزالون يعيشون حياتهم كما يشتهون، لكنهم يميلون إلى حفظ الأسرار - التقية.

يتداول الإيرانيون طرفة، تقول إن رجلا كان في محطة ينتظر القطار. كان الرجل يمشي مستمتعا بجمال الطقس يغني ويدخن السجائر. سأله شخص آخر لماذا تنتظر وقد رحل القطار؟ رد الرجل سريعا: كيف وأنا معي التذكرة؟!

وسيرا على المنوال نفسه، فالأوامر الحكومية في جيبي، وقطار الحقيقة رحل. عندما كنت وزيرا للثقافة كنت أعلم أن غالبية الكتب المحظورة تُنشر سرا. وتحمل اللغة الروسية لفظة تصف هذا النوع من الكتب «سميزدات»، التي كانت أحد الأشكال الرئيسة لنشاط المعارضين في الكتلة السوفياتية. أعاد الأفراد إنتاج المطبوعات التي منعتها الرقابة بخط اليد، وقاموا بتداول هذه الأوراق من قارئ إلى آخر.

أذكر أننا خلال وجودنا في المدينة الجامعية بجامعة شيراز، كان الطلاب يصنعون نسخا من أشرطة خطب آية الله الخميني. وكانت تلك بمثابة وسيلة رائعة للتواصل بين الناس، وتطورت لتصبح شبكة حقيقية في جميع أنحاء البلاد. وعلى ذلك، فإن تلك الثورة التي نجحت عبر استخدام شرائط الكاسيت، لا يمكنها ببساطة أن تفرض حظرا على الإنترنت!

في بلادنا، على الأقل في إيران، وتركيا ومصر، بقدر ما أعلم، تغير اسم وزارة المعارف إلى وزارة التربية والتعليم والتدريب. وكان التدريب، ولا يزال، يتسع لتفسيرات واسعة للغاية. تريد الحكومة أن تأتي إلى منزلنا وتقودنا، بل تريد أن تقول لنا أي القنوات التلفزيونية هي الأنسب لأطفالنا ولنا، وتريد أن تحدد لنا أي الشبكات الاجتماعية جيد وأيها سيئ! وبعبارة أخرى، يبدو أن الحكومة تحب أطفالنا أكثر منا! وهو تحديدا نمط حكم ستالين.

يجب علينا القول لحكومتنا إنك مسؤولة عن حماية البيئة وتوفير ظروف معيشية أفضل للحياة. ينبغي أن يحظى الأفراد بحرية مشاهدة القنوات، وقراءة الكتب المقدسة، وما إلى ذلك، وهناك أيضا من يريد الصلاة.

ربما كان ذلك هو السبب في وجود لغتين وأدبين مختلفين في إيران، فالحكومة تفكر بأن عليها أن تقود الشعب إلى الجنة، حتى وإن كان ذلك يعني التدخل في حياتهم الخاصة، بإصدار الفتاوى بحرمة الـ«فيسبوك». وعلى الجانب الآخر، تقول الدولة والرئيس ووزير الثقافة، إن هناك أكثر من أربعة ملايين إيراني يمتلكون صفحات على الـ«فيسبوك»، وأكثر من نصف مليون موقع، وعلى الرغم من ذلك، لا تزال الحكومة تعتقد أن التذكرة في جيبها، وأن القطار ينتظرها!

وكان من بين الأشياء الطريفة في إيران، الأسبوع الماضي، أثناء زيارة وزير الخارجية البولندي لطهران، وخلال مؤتمره الإعلامي المشترك مع جواد ظريف، قال رادوسلاف سيكورسكي، وزير الخارجية البولندي، فجأة: «خلال وجودي في أصفهان، أمس، حاولت الدخول إلى موقع صحيفة بولندية كبرى، لكني للأسف لم أتمكن من ذلك. قيل لي إن الموقع جرى حظره من قبل الرقابة! وقد كان ذلك بالنسبة لنا صدمة كبلد ناضل للحصول على حرية التعبير»!

الحقيقة أن الإيرانيين يعايشون صدمات دائمة في حياتهم العادية. ولكن من الواضح أن مثل هذا الانقسام لا يجدي! فوزير الخارجية الإيراني، ظريف، هو نجم الـ«فيسبوك» و«تويتر»، ولكن الوزير البولندي لم يتمكن من استخدام الإنترنت في غرفته بأصفهان!

«لا تضم جناحي الطائر، لأنه سيطير بصوته. ولا تمسك منقاره، فسوف يغني بجناحيه».