أحوال شخصية

TT

السواد الذي اتشحت به سيدات عراقيات تظاهرن في بغداد احتجاجا على مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري الذي أقرته الحكومة العراقية بات سمة تقترن بأحوالنا جميعها وفي صدارتها تلك التي تتعلق بحرياتنا كأفراد وكنساء على نحو خاص. فواقع الحال يستلزم وعن حق ارتداء السواد حدادا وإعلانا لظلامة لا يجوز لا إنسانيا ولا حقوقيا أن نتغاضى عنها وأن نكتفي بإدراج تلك الارتكابات في سياق المصاب العام الأكبر وهو الانكسارات المتتالية التي نمنى بها في السياسة والأمن والحرية.

وقوانين الأحوال الشخصية هي في صلب معايير التقدم الاجتماعي والحقوقي لأي مجتمع في العالم لكن عربيا فإن هذه القوانين هي سمة تخلف وتراجع نادرا ما نجا منه أي نظام عربي حتى في عهد ما بعد الثورات، إذ لا تزال هناك انتكاسات تشبه تلك التي أقدمت عليها الحكومة العراقية ويمكن تتبع ذلك في أكثر من دولة ومجتمع.

وبالعودة إلى مشروع القانون العراقي المطروح فهو يجرد المرأة التابعة للمذهب الشيعي الجعفري من بديهيات تتناول المساواة في حقوق أساسية في الزواج والطلاق والإرث والأفدح أنه يشرع زواج الصغيرات من عمر التاسعة. ولا يسع واحدنا سوى أن يشعر بالصدمة والذهول لما يكشفه هذا القانون من جنوح لدى كل من صدق عليه وها هو الآن يسلك طريقه نحو مجلس النواب..

طبعا ليس العراق وحده من ينتج ظواهر تخلف من هذا النوع، فالربيع العربي الذي يمر في خريف يبدو طويلا أظهر لنا كم تتعثر خطانا في أن نتحول إلى مواطنين ومواطنات أحرار ومتساوين في الحقوق. لن ننسى طبعا «جهود» الإخوان المسلمين خلال حكم محمد مرسي في تشريع الأمر نفسه، وكم أن قضية زواج الصغيرات هي بمثابة الطاعون في اليمن، وكيف باتت ظاهرة تتفشى في مجتمع التشتت السوري وامتدت إلى الداخل اللبناني أيضا.

قبل أيام طالعتنا عقيلة رأس التشريع اللبناني، عقيلة رئيس مجلس النواب السيدة رندة نبيه بري بتصريح تعتبر فيه أنه من الصعب تجريم الاغتصاب الزوجي لأنه لا أحد يعرف ماذا يدور في الغرف المغلقة. والحقيقة أن هذا تماما لب القصيد: الغرف المغلقة.

فتزويج الصغيرات أو لنكن أكثر دقة اغتصابهن بغطاء القانون وانتهاك جسد المرأة بذريعة أنها زوجة وكل التفاصيل المنضوية تحت خانة «حقوق الرجل» وما يحيط بها من عنف أسري سواء أكانت جنسية أم جسدية أم سلطوية هي جميعها أمور تدور غالبا في غرف مغلقة وغالبا ما يتعاطى المشرعون في مجتمعاتنا معها على قاعدة «ناقصات عقل ودين» فتجري مصادرة ملكية النساء لعقولهن وأجسادهن استنادا إلى تلك القاعدة.

أمس استفقت صباحا على رسائل معايدة بيوم المرأة العالمي وطالعني محرك البحث «غوغل» باحتفالية بالمناسبة نفسها ووسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي تحفل بتحقيقات ومواضيع وصور عن هذا اليوم. لست ضد إحياء المناسبة والاحتفاء بها إعلاميا، فتسليط الضوء على مكامن العلل ضرورة، لكن فيما نحن نتبادل التحيات هناك من يعمل لتوسيع نطاق الظلم الممارس وإبقائنا في الغرف المغلقة.

[email protected]