محمد عبد الوهاب وعيد الفن

TT

الخميس المقبل ذكرى ميلاد الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب رقم «113».. بالطبع عبد الوهاب في حياته لم يكن يذكر سوى يوم ميلاده 13 مارس (آذار)، ولكنه كعادة أغلب المشاهير يحيل عام الميلاد إلى سر حربي ويختصر من الحساب الرسمي أكثر عشر سنوات.

اختار اتحاد النقابات الفنية المصري يوم ميلاده ليصبح عودة لعيد الفن الذي أقيم في عهد أنور السادات وتوقف أكثر من 30 عاما في زمن مبارك.

هل سيشمل هذا اليوم احتفالية خاصة بموسيقار الأجيال، كان عبد الوهاب في حياته لا يطيق أبدا الصمت الإعلامي وكان يعتبره هو والموت سواء، ولهذا ظل وحتى اللحظة الأخيرة داخل بؤرة الأضواء. إنه بالتأكيد ملحن مجدد واستثنائي في عالمنا العربي، فهو ملحن الملحنين، وعلى مدى أكثر من 70 عاما ظل هو «الألفا» وتبوأ تلك المكانة رغم تعدد الألوان والأنماط الغنائية التي عاصرها.

عبد الوهاب ظل حريصا على التواصل مع الناس وعندما سرت موجة قبل أربعين عاما بين المطربين والمطربات لإعادة تقديم أغنياته القديمة واعتقد بعض مريديه أن هذا يغضبه، فقال إنه سعيد بأن يستمع إلى أغانيه القديمة بأصوات الشباب، فهو فائز في الحالتين، لأنهم لو أجادوا غناءها أفضل منه سوف يتذكر المستمعون الأغنية القديمة، وربما أعادوا سماعها بصوته، وإذا أخفق المطربون فإن المستمعين سوف يترحمون على جمال صوته ويزدادون تعلقا به.

اعتزل عبد الوهاب منذ منتصف الخمسينات الغناء في الحفلات واكتفى بتسجيل أغنياته في الاستوديو وطرحها على أسطوانات، ثم أشرطة، وبعد أن وهن صوته لجأ إلى حيلة «من غير ليه» التي سجلها بصوته على العود وهو يجري بروفات مع عبد الحليم في مطلع عام 1977 وقدمها عام 1989 وكأنه يغنيها في نفس العام بعد أن استعان بمهندس الصوت زكريا عامر، أمد الله في عمره الذي تولى تركيب صوت عبد الوهاب أثناء البروفة على الفرقة الموسيقية، ولعب وقتها الإعلامي مفيد فوزي مهمة الترويج لتلك اللعبة الذكية، كل ذلك من أجل أن يظل حاضرا ليس فقط في التاريخ ولكن في اللحظة الراهنة، حيث إنه قبل رحيله بأيام في 4 مايو (أيار) 1991 كان قد لحن لنجاة قصيدة «أسألك الرحيلا»، وقتها كان قد أكمل التسعين من عمره، فهو طبقا لما يُجمع عليه أغلب المؤرخين من مواليد عام 1901.

الملحوظة الجديرة بالتأمل هي أن لعبد الوهاب عشاقا ومريدين كُثرا وجمعية تحمل اسمه؛ ولكن كان بين عبد الوهاب ورجل الشارع مسافة ما يغلفها إحساس بأنه فنان أرستقراطي غير قابل للمس، رغم أنه نشأ في حي شعبي بالقاهرة القديمة «باب الشعرية» وصنعوا له أخيرا تمثالا وضعوه في ميدان الحي الذي شهد مولده، إلا أن التمثال تصدع بعد ثورة 30 يونيو (حزيران) بسبب انفلات المظاهرات.

هل يفتقد الجمهور الآن حالة الحميمية مع عبد الوهاب رغم أنه كان في حياته ابن نكتة ساخرا وساخنا، فإنه لم يكن مثلا في الشارع له شعبية وحضور مثل أم كلثوم وعبد الحليم وفريد الأطرش، ولهذا تجد مثلا أن الدراما قدمت في السينما والتلفزيون حياة ثومه وحليم، بينما لم تقترب من حياة عبد الوهاب رغم ما بها من لحظات درامية.

الناس دائما يرسمون صورة ذهنية للفنان وتتناقلها عبر الأجيال، وصورة عبد الوهاب الراسخة في الوجدان الجمعي أنه فنان أرستقراطي، بينما مثلا أم كلثوم عند الناس هي بنت البلد سريعة البديهة الشهمة الجدعة.

عندما يصبح يوم ميلاد عبد الوهاب هو عيد الفن، أظنها فرصة مواتية لكي نعيد إليه بعض ما يستحقه من سخونة في الشارع العربي.