الحرب الباردة أم حرب الطاقة؟

TT

يعد حب الذات والغرور الوطني من الأمور السيئة والمخيفة، حيث تعتمد على مجتمع لا يرى سوى هويته العرقية وماضيه وشعبه وأرضه. ومثلما هي الحال لجميع أشكال التفكير الأناني، دائما ما يؤدي ذلك إلى الإضرار بالمجتمعات والدول والاقتصاديات.

يمكن للمجتمعات أن تعيش معا، حيث إن الديانات والهويات الإثنية المختلفة من الأمور الجميلة الرائعة وليست سببا للانقسام. بيد أن السائد هذه الأيام، حسبما يبدو، هو سياسة التفتيت باستخدام التعصب العرقي، حيث نجد التفتيت السلمي لتشيكوسلوفاكيا لتنقسم إلى التشيكيين والسلوفاكيين والقضاء العنيف على يوغسلافيا لنجد الكوسوفيين والصرب والألبان والأتراك والمقدونيين، وقد حدث كل ذلك باستخدام سلاح حب الذات والغرور الوطني. كان رد جميع القوى العظمى والإقليمية وكذلك القوى المعارضة مماثلا مع ضمان نفس السيناريوهات القديمة.

ونرى الآن نفس مشكلة حب الذات والغرور الوطني حينما ننظر إلى مثلث القرم - روسيا - أوكرانيا، ومع ذلك، فلم يكن هذا الأمر يمثل مشكلة في عملية تفتت الجمهوريات السوفياتية السابقة. وعلاوة على ذلك، فإن الدول التي انفصلت عن الاتحاد السوفياتي وفرت المأوى للسكان الروس على مدار سنوات. وبناء على ذلك، فما الذي حدث؟ ولماذا تكون نسبة الروس في القرم معروفة الآن للجميع في دول العالم كافة؟

دعنا نتذكر أن روسيا تبنت سياسة التكامل نحو الغرب في أعقاب الحرب الباردة. وتسارعت وتيرة هذا التكامل تحت قيادة بوتين، فضلا عن تقوية الروابط الاقتصادية الأميركية - الروسية وحدث التعاون القائم على المجال الدفاعي بين الولايات المتحدة وروسيا. وصارت روسيا دولة يمكن تحقيق تسوية معها.

وكانت قضية سوريا مثيرة للجدال عندما تعرضت دلائل النوايا الحسنة هذه لصفعة شديدة. وبدلا من التوصل إلى التسوية الممكنة مع روسيا، فضل الغرب التخلص من المباحثات المستمرة، ومع ذلك كان يمكن اقتراح سبل مقنعة للتوصل إلى حل يقبله الروس، الذين لم يكونوا مستعدين لخسارة صديقهم وقاعدتهم البحرية وعلاقاتهم التجارية المستمرة منذ فترة طويلة مع دمشق.

وفي ضوء عدم القدرة على التوصل إلى تسوية واتحاد وتحالف بشأن مسألة أوكرانيا، استخدمت روسيا سلاحها الخاص بالحرب الباردة المتمثل في حب الذات والغرور الوطني. وجرى على الفور تطبيق سياسات العصبية الإثنية لتحصل روسيا الآن على ما تريده. ورغم ذلك، ففي حال تمني هذا الأمر، كان يمكن للغرب أن يحظى بتأييد روسيا من خلال منحها ضمانا بأنها «لن تخسر صديقها». وفي المقابل، عادت الأطراف إلى اتباع السياسة الفاترة والمخيفة الخاصة بسنوات الحرب الباردة.

وبناء على ذلك، فهل يعني هذا الأمر وجود حرب باردة جديدة؟

الإجابة هي لا، لأن العالم الآن صار مختلفا للغاية عما كان عليه من قبل. وليس لدى أي شخص الحماقة أو الجراءة لتخيل عالم قد يشتمل على تبادل للأسلحة النووية ويمكن فيه للمتشددين أن يصيروا أكثر إرهابا بصورة مطلقة. وعلاوة على ذلك، فإن شبكة الطاقة التي يعتمد عليها العالم تجعل العمل المشترك أمرا ضروريا.

ومن المتوقع أنه في خلال 15 سنة، سيتعين على أوروبا أن تستورد نحو ستة أضعاف الغاز الذي تنتجه. وبمعنى آخر، ستصير أوروبا معتمدة على العالم الخارجي بشكل أكبر. ولذلك، تحتاج أوروبا إلى روسيا التي توفر ثلاثة أرباع احتياجاتها من الغاز الطبيعي. وتسعى ألمانيا - على وجه الخصوص - إلى اتباع استراتيجية معتدلة بهدف عدم خسارة الاحتياطي الكبير، وسيرى المراقبون لألمانيا عن كثب هذا الاتجاه منعكسا في موقف ألمانيا تجاه القضية الأوكرانية.

ونجد أن أميركا - التي ألقت بأوراقها فيما يخص القضية الأوكرانية مع لجوئها إلى حيلها القديمة المعروفة، وتجاهل احتياجات روسيا ورفض التسوية - ليست سعيدة بهذا الوضع. وتحتاج بريطانيا أن ترى أنها مشتركة أيضا بشكل مباشر في هذه المشكلة. ويتسبب هذا التوتر في تحويل جميع الأنظار نحو خط الطاقة بأذربيجان والجنوب، الذي تحاول تركيا التحرك تجاهه وتشكل جزءا كبيرا منه.

ولذلك، فإن ما نراه في أوكرانيا هو صراع للحصول على الطاقة اعتمادا على اقتصاد عالمي. وبناء على ذلك، فإن الوضع لن يتحول إلى حرب باردة. ومع هذا، يمكن تعزيز روح الوحدة والاتفاق - التي يحاولون وضعها فيما يخص الممر الجنوبي للغاز - بشكل ملحوظ من خلال إشراك أوروبا الشمالية وآسيا الشمالية. وإلى هذا الحد، نحتاج إلى النظر إلى العالم من خلال تحقيق أهداف النمو والتجديد، وأن نصبح أكثر قوة فيما بيننا، وليس من خلال خطوط الطاقة الخاصة بهذا العالم. وليس هناك أي ضرورة لاستبعاد طرف من أحد الأطراف بالعالم من أجل الحصول على الطاقة من الطرف الآخر.

ومن المؤكد أن روسيا ستبيع غازها الطبيعي. ويجب أن ندرك أن المشكلة بالنسبة لروسيا لا تتمثل في سوق الغاز الطبيعي. ولا تتمنى روسيا أن تبقى وحيدة، كما أنها لا ترغب في خسارة أصدقائها القدامى. وتحتاج روسيا إلى أصدقاء جدد واتحادات جديدة، ويعدّ بوتين هو القائد المثالي لتحقيق ذلك. ويجب على الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة، أن يتخلى عن مواقفه القديمة تجاه روسيا. ويجب على الغرب أيضا إدراك أن هذا التوجه التقليدي يظهر في وقت الأزمات، ويجب إعطاء روسيا ضمانات الأمن والحماية والصداقة التي تحتاجها بشكل أكبر وقت الأزمات. حينما نقول لروسيا «إننا أخذنا بثأرنا مما فعلته في الماضي وأبعدناها عن أصدقائها، ولذلك فيجب عليها أن تتنحى جانبا»، فإن هذا الأمر سيؤدي إلى التشجيع على وجود المزيد من مشاعر القومية. ومن ثم، ستقوم روسيا باتباع أساليبها القديمة المعروفة وسيظهر الوجه القبيح للعصبية الإثنية، مما سيتسبب في حدوث انقسامات وصدام هذه الأطراف المنقسمة، حيث سيصبح العالم – الذي نحاول تطهيره من الكراهية - مليئا بالمزيد منها.

لم يعد هناك لدى الشرق والغرب أي أسباب آيديولوجية للصدام. ويجب وضع حد للاعتقاد التقليدي بأن النزاع أمر جوهري. وحينما نكون متحدين، يكون الحصول على الطاقة وتحقيق النمو والقوة أكثر سهولة بشكل كبير. وتعد القضية، وستظل، متمثلة دائما في هذا الأمر.