أحلام وألغام

TT

إذا كنتِ شابة جميلة تحلم بالعريس وبيت الزوجية وشهر عسل ممتد فاقرئي هذه السطور.

إن كنت زوجة وأمًّا تتوهم أنها وحدها حققت المعادلة الصعبة لأنها ناجحة في عملها وراعية لأولادها ومرضية لزوجها فاقرئي هذه السطور.

إن كنتَ زوجا يؤْثر سلامة أسرته ولكنه لا يتنازل عن موروثات ثقافية توحي له بأن خدمة نفسه عيب وحرام فاقرأ هذه السطور.

موضوعي اليوم هو العلاقة بين الخادم والمخدوم. وسؤالي محدد: لماذا أصبح وجود الخدم في بيوتنا مثارا لمشاكل لا تعد ولا تحصى وبعضها يخرب البيوت العامرة؟ كل زوجة تطالب بوجود الخادمة كأمر حيوي مثل الماء والهواء. وإن لم يلبِّ الزوج احتياجها للخادم عدَّته بخيلا مفتريا عدوانيا شقيا وتظل تنعى سوء حظها في الزواج. وإذا وجدت الخادم في البيت بدأ مسلسل الشكوى من كسلها وإتلافها وعدم أمانتها ومحاولاتها للفت انتباه الزوج وعدم اهتمامها بالأطفال... إلخ. لي صديقة بدلت خادمتها 11 مرة في عام واحد، وحين قلت لها أن تستغني عنهن ظنت أنني أرسلت عقلي في إجازة. هذه الصديقة لم تتصور حياتها دون خدمة، فهي تسافر على فترات بسبب العمل ولا يمكن أن تترك زوجها وأولادها الصغار دون خادم تسهر على راحتهم. ولنفترض أنها عثرت على الخادمة المثالية التي لا تكل ولا تمل ولا تتلف السكر والصابون ولا تسرق ملابس سيدتها وترعى الأطفال كأم ولا تتبرج للفت انتباه رب البيت فماذا تكون قد حققت؟ هذه الزوجة زرعت بيديها لغما موقوتا يهدد بالانفجار في أي لحظة؛ فقد سعت لخلق بديل مريح لوجودها في البيت. في هذا السيناريو يقع العبء الأخلاقي على الزوج أثناء غياب زوجته بما أن قرار استمرارها في العمل قرار مشترك يتعلق بدخل الزوجة الذي تحتاج إليه الأسرة. ورغم هذا الواقع ما زلت مقتنعة بأن النار أولها شرر. فلا يجوز أن تترك لمبة غاز بجوار مستودع الوقود ثم ندعو الله أن يكفل لنا السلامة.

الزوجة ليست مكلفة بالإنفاق. وإن كانت صاحبة مهنة لا تبغي تركها فلها أن تختار أن تعمل بعض الوقت إلى حين يلتحق أولادها بالمدارس وأن يتعاون كل زوج يؤثر سلامة أسرته على خدمة نفسه أثناء غياب زوجته في العمل إن كان وافق على الزواج بامرأة عاملة.

سمعنا بحكايات عن خادمة تخطف طفلا، وأخرى تؤذي رضيعا بغرس الإبر في رأسه، وثالثة يتزوجها رب البيت سرًّا، ورابعة تنقل أخبار البيت إلى الأقارب والجيران، وخامسة تتسبب في خلافات عائلية حادة لأنها نقلت كلاما عن لسان الزوجة إلى الحماة أو أخت الزوج. والقائمة أطول من أن ترصد في هذا السياق. سمعنا بأن ربات البيوت هجرن الخادمة العربية واستبدلن بها السري لانكية والفلبينية والإندونيسية بأجر مضاعف ولم تتحسن الأوضاع.

الخلل يكمن إذن في العلاقة بين الخادم والمخدوم. الخادمة المقيمة وجود غريب مكلف ماديا ومعنويا. سيدة البيت تفترض أن الأجر الذي تقدمه يأتي مصحوبا بشرط أن تلغي الخادم إرادتها وأن تفعل ما تؤمر متى تؤمر حتى بعد أن ينتصف الليل، أن تقبل ببقايا الطعام وبافتراش الأرض وألا تتعب أو تشكو من افتقاد أبنائها إن كان لها أبناء، ألا تتزين أو تطلب الخروج وأن تمشي في الأرض بحيث لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم. هذه الزوجة تنسى أن لكل فعل رد فعل مساويا.

ما زلت رغم تقدمي بالعمر أرفض أن تشاركني بيتي خادمة مقيمة لأني أستحيي أن ألغي إنسانيتها ولا أتحمل أن تغار من أنني أمتلك ما لا تمتلكه، ولا أقبل أن تكون شريكتي بالنصف. إنصافها إذن غير ممكن في إطار العلاقة بيني وبينها. ولذلك يكفيني أن تأتي لتأدية أعمال محددة تحت إشرافي بضع ساعات أسبوعيا ثم أمنحها أجرا يرضيها قبل أن تعود إلى بيتها على موعد في يوم آخر.

هل من المحال أن نخدم أنفسنا؟ هل وجود الخادمة المقيمة جزء مكمل للانتماء الطبقي؟ هل من العيب أن يحمل كل منا صحن طعام فارغا إلى المغسلة؟ أن يضع ثيابه إن اتسخت في سلة الغسيل؟ أن يدفع أجر الكواء إذا دق الباب والزوجة في العمل؟ أن يعد الساندويتش لطفل جاع قبل موعد الغداء؟

هل نسينا أن خادم القوم سيدهم؟