روحي وأنت طالق

TT

الليلة شتوية قارصة البرد، أبو أحمد نائم وقد تغطى بعدد من الألحفة والبطاطين أشاعت دفئا لذيذا في بدنه، أولاده نائمون، أحمد وفتحية وإحسان، صوت طرق على الباب، تجاهل الجميع الشخص المقبل وكأنهم لم يسمعوا شيئا، الطرق يشتد، استيقظوا جميعا ولكنهم يتظاهرون بالاستغراق في النوم، من في ذلك البرد القارس، سيغامر بالخروج من تحت البطاطين، الخبط على الباب أصبح أكثر قوة بحيث لا يمكن تجاهله.

صاح أبو أحمد في صوت نائم: مين؟

صوت سيدة: افتح يا أبو أحمد.. أنا أم أحمد.. افتح لأمك يا أحمد..

تظاهر أحمد بأنه يغط في نومه، فصاح فيه أبوه: قوم يا واد افتح لأمك.

فرد في ضجر بصوت ممطوط: هو كل شويه أنا اللي افتح الباب؟.. مش قايم..

- طب قومي يا فتحية.. بت يا فتحية.. أنت يا بت يا فتحية..

: اشمعنى أنا يا با.. حاموت من البرد..

- طب قومي يا إحسان.. بت يا إحسان، قومي افتحي لأمك يا بت..

لم تجب إحسان، هي في سابع نومة، أم أحمد ما زالت تدق على الباب بكلتا يديها صائحة: افتحي يا فتحية.. بنت يا إحسان.. واد يا أحمد.. افتح لي يا أبو أحمد..

بعد أن عجز أبو أحمد عن إيقاظ أحد من أولاده، صاح بصوت قوي: أم أحمد.. روحي وأنت طالق.

كانت هذه الطريقة الوحيدة التي يتخلص بها أبو أحمد من مأزق الخروج من فراشه الدافئ اللذيذ، مضحيا بزوجته أم أولاده بل وبكل الروابط الأسرية.

يعبر الفكر الشعبي من خلال هذه الحدوتة والنكتة، عن ذلك العيب الخطير من عيوب البشر الذي يدفعهم لاتخاذ قرارات كارثية من أجل الاستمتاع بالكسل، اللاوعي الجمعي يدرك ويعلن من خلال هذه النكتة أن هناك أنواعا من البشر لن يقدموا على فعل شيء حتى لو كان لصالحهم، انعدام الهمة والكسل والجمود هي أهم ما يميزهم. الواقع الذي يجب ألا نخجل من الاعتراف به، هو أن البشر يعملون بدافعين فقط، الرغبة أو الرهبة.

لقد اكتفى أبو أحمد بتطليق زوجته، وهناك آخرون على استعداد لأن يموتوا للإفلات من العمل مهما صغر شأنه، حتى لو كان فيه حياتهم. هذا المرض شائع بين قطاع عريض من الناس، غير أنهم ليسوا في شجاعة أبو أحمد، لأنهم عاجزون عن الفعل، يتقنون فقط التشدق بالكلمات الكبيرة يخفون بها كسلهم وعجزهم عن مواكبة الحياة بما تتطلبه من عمل شاق.

هؤلاء الراغبون في العمل ليسوا في حاجة إلى نصائحنا، أما هؤلاء الذين يعملون بدافع من الرهبة فقط، فلن تنفع معهم كل نصائح الدنيا أو طلبات وتوسلات رجال السياسة، هم فقط في حاجة لمن يخيفهم.

وحتى عندما يعملون فهم في حاجة إلى رقابة صارمة تتابع بدقة كل خطوات إنتاج السلعة التي ينتجونها، لأنك لو تركت لهم الحبل على الغارب، سينتجون لك سلعا لن يشتريها منك أي مخلوق لرداءتها وعجزها عن منافسة مثيلاتها التي تنتجها بلاد أخرى. وهنا يصبح «العمل» الذي يطلبه الجميع من الجميع الآن في مصر، مصدرا أكيدا للخسارة والمزيد من الفقر والديون.