الهاجس الطائفي في الأزمة السورية

TT

حكومة إيران تدرك يقينا أن حربها على الثرى السوري ودفاعها عن نظام دموي ينتشي بقتل شعبه، هي حرب خاسرة ودفاع فاشل حتى ولو استمرت الحرب عشرات السنين، وقصارى ما تريد تحقيقه من هذا التأييد المسعور غايتان: انتصارات على الأرض تعينها وتعين نظام سوريا الذي يحارب عنها بالوكالة على تحقيق انتصارات تفاوضية تحقق منها إيران بعض الضمانات لبقاء ولو شيء من نفوذها في المنطقة التي يمثل فيها انهيار النظام السوري انهيارا لنفوذها الذي شيدته منذ اندلاع الثورة الإيرانية. والغاية الثانية إضعاف خصومها في المنطقة الداعمين للشعب السوري المضطهد ومعارضته التي تخوض حرب حياة أو موت مع حليفها الدموي الشرس. ومع الاعتراف بقدرة إيران على إطالة عمر حليفها بشار، إلا أنها أيضا عجزت عن سحق المعارضة الشعبية السورية وعجزت حتى عن السيطرة على كامل التراب السوري، ولن تعود الحال للنظام السوري إلى ما قبل ثورة الشعب السوري حتى يلج الجمل في سم الخياط! ولهذا كان من المتوقع تحريك حلفائها وخلاياها النائمة في الدول التي تناصر الشعب السوري وتدعم حركة تحريره من استعمار خطير.

وعلى خلاف الثورات التي وقعت أحداثها في مصر واليمن وتونس والتي تتميز مجتمعاتها بالتناغم المذهبي، فإن «الطائفية» في الأزمة السورية بقيت هاجسا لا يمكن الفكاك منه.. فنظام الحكم علوي يدعمه استراتيجيا إيران، وهذا أحد أسباب ارتفاع سخونة الخطاب الطائفي. ولهذا وجد فيها المتطرفون من كل الأطراف فرصة لتعزيز تأثيرهم وترويج بضاعتهم الطائفية الرديئة، مما يعني أن تساق المنطقة نحو نزاع طائفي خطير ما لم يلجمه العقلاء في كل الأطراف.

وهنا لا بد أن توجه الرسائل لفئتين معنيتين بهذا الملف الشائك: الأولى تلك التي ترشق اتهاماتها لعموم الشيعة واتهام «الكل» بالعمالة لإيران، وتمثيل الطابور الخامس في الدول التي يوجد فيها الشيعة، وهذا خلاف كونه تعميما ظالما، لا يقره دين ولا عقل ولا وطنية صادقة، فهو أيضا يهيئ مناخا ملائما لخلايا إيران النائمة لنشر تأثيرها وتمديد نفوذها تحت ذريعة العيش بين أناس يستهدفون بالجملة ولا يستثنون، ثم إن كل دولة في الدنيا لا تخلو من تنوع ديني ومذهبي وعرقي، والدولة المتحضرة هي تلك الدولة التي تتعايش مع موزاييكها المذهبي والعرقي والديني. الفئة الثانية المعنية بهذا الملف الحساس قادة الطائفة الشيعية ورموزها ووجهاؤها ومثقفوها وعلماؤها وعقلاؤها، فهذه بالذات هي التي توجه الرأي العام وتؤثر فيه، وهي المعنية بالاصطفاف مع أوطانها في دول الخليج ضد المهددات وضد الحوادث الإرهابية، بل لا بد من مواقف صريحة ناصعة شفافة تشجب مَن يتورط في هذه الأعمال الإرهابية وتندد بمن يبيع ضميره لقوة خارجية تريد به وبوطنه سوءا وشرّا مستطيرا، كما ورد في بيان مجموعة من علماء الطائفة الشيعية في محافظتي القطيف والأحساء (شرق السعودية).

[email protected]