السياسة والوحشية في إيران

TT

ما هي العلاقة بين السياسة والوحشية في إيران؟ وما السر وراء ذلك الزواج السري بين السلطة والسياسة والوحشية، الذي يعد السمة الغالبة في دول الشرق الأوسط؟ فعلى مدى تاريخ إيران الطويل، على سبيل المثال، كانت الوحشية تشكل على الدوام جوهر سياسة حكام إيران، في الوقت الذي كان فيه الإنصاف والعدالة والكرم صفة نادرة.

ولم يشهد تاريخ إيران سوى استثناءين شهيرين، هما الملك كورش الكبير والملك كريم خان زاند. وعندما نقارن الملك كورش بالإسكندر المقدوني وجانكيز خان وأتيلا، وهتلر وستالين، سنلاحظ اختلافا تاما بين الملك كورش الكبير وبينهم.

ويغص العهد القديم، في سفر عزرا على وجه التحديد، بالآيات التي تثني على كورش كقائد عظيم وملك حكيم، لكن القوة من دون حكمة تنتهي بها لأن تتحول إلى مصدر للعنف والظلم.

ودعوني أدلل على وجهة نظري ببعض الأمثلة الشهيرة في إيران. المثال الأول لآية الله منتظري، الذي ألقى خطبة في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1977 ينتقد فيها صراحة سلطة الإمام الخميني، والذي وضع على إثرها قيد الإقامة الجبرية بحجة حمايته من المتشددين، ولم يطلق سراحه إلا في عام 2003 بعد مناشدة أكثر من 100 نائب في البرلمان الإيراني الرئيس خاتمي الإفراج عن منتظري. وظن البعض أن رفع الإقامة الجبرية عن منتظري جاء خوفا من الانتقادات الشعبية التي يمكن أن تتعرض لها الحكومة في حال وفاة منتظري من دون الإفراج عنه.

خلال فترة احتجازه بدأ منتظري تدريس الفلسفة الإسلامية لأبنائه وأحفاده. تلك الدروس باتت متوافرة الآن على موقعه على الإنترنت، وتعد أفضل شرح لمنظومة الحكمة للسبزواري. وعند وفاته شارك أكثر من مليون شخص في جنازة الرجل، الذي ضحى بالسلطة في سبيل العدالة.

كان منتظري مؤمنا بحقوق الإنسان لا بحقوق المسلمين وفقط. فعندما اغتيل ابنه محمد في الانفجار الذي وقع في 28 يونيو (حزيران) عام 1981. وقف منتظري يدافع عن حقوق المتورطين في الانفجار، الذين ينتمون إلى منظمة مجاهدين خلق، المسؤولة عن مقتل الكثير من الإيرانيين، بما في ذلك ابن منتظري.

هذا يؤكد أنه لم تكن هناك أي مساحة للكراهية والوحشية في عقل وقلب منتظري. وقد توفي الرجل، لكن تاريخه لا يزال ساطعا كمنارة في الليالي الظلماء، وفي أعتى أعاصير البحر.

تلك هي حياة أشخاص أقاموا ونشروا ثقافة حقوق الإنسان والعدالة في عصرنا الحديث. وسوف تظل ابتسامة منتظري الدائمة المشحونة بإحساس فريد بالفكاهة، معنا كما هو الحال بالنسبة لإرثه وتاريخه. وسيظل هذا الإرث يلقي بظلاله على قلوبنا وعقولنا إلى الأبد.

وقد كانت القوة إلى جانب الوحشية سببا في وضع منتظري تحت الإقامة الجبرية لست سنوات، بينما جعلت القوة والحكمة من منتظري رجلا تخلى عن موقعه كزعيم جديد لإيران ليدافع عن حقوق السجناء.

المثال الثاني هو مير حسين موسوي، رئيس وزراء إيران التاسع والسبعون إيران (1981 ـ 1989)، والذي يذكرنا بآية الله منتظري في أسلوب حياته وأفكاره.

ودعوني أروي لكم قصة نادرة له، ففي ديسمبر (كانون الأول) عام 1987 كنت في كيرمانشاه، إبان الحرب الإيرانية العراقية التي كانت مستعرة في تلك الفترة، وكانت ليلة شديدة البرودة. وروى لي محافظ كيرمانشاه قصة غريبة. قال لي «قبل أسبوعين تلقيت مكالمة من مكتبي في الساعة الثانية عشرة عند منتصف الليل. وكنت نائما حينها. وقيل لي إن رئيس الوزراء موسوي يريد أن يتحدث إلي. كان ذلك أمرا مفاجئا تماما، أن أتحدث مع رئيس الوزراء في مثل هذا الوقت المتأخر».

في البداية، اعتذر لي موسوي وقال لي «سيد نقوي، لقد قرأت في الصحف أن هناك عجوزا مشردا في إسلام آباد، قرية صغيرة في محافظة كيرمانشاه. واليوم سمعت أن درجة الحرارة في إسلام آباد وصلت إلى ثماني عشرة درجة تحت الصفر، فأين حسن ماد الآن؟ ومن الذي يعتني به؟».

اتصلت بعمدة إسلام آباد وسألته عن حسن، وأكد لي أنه في مكان مناسب ولا داعي للقلق بشأنه. شعرت بسعادة كبيرة للغاية، وكانت الساعة حينها قد تجاوزت الثانية بعد منتصف الليل، ولذا قررت الخلود إلى النوم. لكن رئيس الوزراء اتصل بي ثانية، وسألني «كيف حال حسن؟» رويت له القصة، ولم أتمكن من النوم بقية الليل. كان ذلك مزيجا من السلطة والحكمة والإنسانية.

واليوم، يعيش موسوي وزوجته راهناورد، وكذلك كروبي قيد الإقامة الجبرية، لأنهم كغالبية الإيرانيين يعتقدون أن انتخابات عام 2009 الرئاسية لم تكن حرة ونزيهة. وككل الإيرانيين الآخرين كانوا يعتقدون أن أحمدي نجاد لم يفز بالانتخابات، وأنه كان مسببا للمتاعب في كثير من المجالات، حتى أن الحرس الثوري الآن انقلب ضده، زاعما أنه لم يكن مرشحهم.

القوة الممتزجة بالحكمة تنتج أشخاصا مثل مانديلا وغاندي ومنتظري، في الوقت الذي تنتج فيه القوة الممتزجة بالظلم، أشخاصا مثل ستالين وهتلر والقذافي وغيرهم.

عندما امتزجت السلطة بالحكمة، لم يتمكن رئيس الوزراء من النوم، لأنه كان يفكر في عجوز مشرد ومعوز في شتاء بارد للغاية في إسلام آباد. لكن القوة الممتزجة بالوحشية تترك رجلا مثل منتظري يعيش قيد الإقامة الجبرية لست سنوات.

القوة الممتزجة بالوحشية ظاهرة كارثية. وعلى الجانب الآخر ستظل تلازمنا الذكريات المشرقة لمانديلا وغاندي ومنتظري، وسليمان الذي كان يتوق إلى الحكمة.

تخيل أنه بعد أكثر من ثلاثة آلاف عام من هذه النصيحة الإلهية، نضطر إلى التعامل مع حكام لا يمتلكون الحكمة أو المعرفة. ولا تقتصر حكمتهم إلا على قبضاتهم الحديدية.