بوتين يعزز شعبيته بالحرب الكلامية

TT

انتصر فلاديمير بوتين لأنه يحظى بدعم طاغٍ في روسيا تجاه حربه في أوكرانيا. واستعاد قدرا كبيرا من شعبيته أخيرا بعد التردي الكبير الذي شهدته في ديسمبر (كانون الأول) 2011 عندما اندلعت المظاهرات في روسيا.

وعندما أعلن بوتين نيته الترشح للرئاسة في مارس (آذار) 2012، اندلعت المظاهرات الحاشدة في المدن والبلدات الروسية. وأعلنت النتائج الرسمية فوزه بنسبة 63 في المائة من أصوات الناخبين، لكن استطلاع رأي مستقلا أشار إلى أنه حصل على نحو 50 في المائة فقط، التي تظهر بالكاد دعما طاغيا لمرشح يفترض أنه فاز بالتزكية (فلم يقم أي من المرشحين الأربعة الآخرين أي حملات انتخابية).

بعد انتخابه بدأ بوتين حملة ضد خصومه، في الوقت الذي حشد فيه جمهوره الضئيل ضد أعدائه الوهميين، الغرب القوي الخطير، فتم تمرير قوانين تفرض قيودا على التجمعات العامة وأنشطة المنظمات غير الحكومية، وسجن أكثر من ثلاثين شخصا من أطياف سياسية واجتماعية مختلفة بسبب التظاهر.

وقد أثبتت هذه الحملات جدواها، فعندما ترتفع مخاطر التظاهر عالية وتنعدم فوائدها تتضاءل أعداد المتظاهرين والمظاهرات، وهو ما تسبب في فشل مظاهرات 2011 - 2012.

أما بالنسبة لجهود التعبئة، فكانت النتائج مختلطة؛ فقد ارتفعت شعبية بوتين، بحسب إحصاءات مركز ليفادا، منظمة استطلاعات الرأي المستقلة الوحيدة في روسيا، مجددا في أعقاب إعادة انتخابه، لكنها انخفضت مجددا واستقرت عند هذا الحد ولم يتمكن من استعادة الشعبية الكبيرة التي نالها في بداية السنوات العشر التي تولى فيها السلطة، إلى أن جاء أولمبياد سوتشي ليسهم في رفع أسهم بوتين مرة أخرى، وأعاد الغزو الروسي لأوكرانيا نسبة تأييده لتتجاوز 70 في المائة مرة أخرى. وقد أجرى مركز ليفادا استطلاعا للرأي في الأسبوع الثاني من مارس (آذار) أظهر مدى فعالية آلة الدعايا الرسمية، إذ يعتقد غالبية الروس أن الحكومة الأوكرانية الحالية غير شرعية وأن الأوكرانيين الناطقين باللغة الروسية في خطر، وأن اللوم في الأزمة الحالية يقع على عاتق القوميين الأوكرانيين، في الوقت الذي يعارض فيه ستة في المائة فقط من الشعب الروسي غزو أوكرانيا.

تاريخيا، كانت الفكرة أن روسيا دولة تحت الحصار ومحاطة بالأعداء ودائما على شفا كارثة محورية بالنسبة للسياسة الروسية بشكل عام ولسياسات بوتين على وجه الخصوص؛ ففي حملته الدعائية ضد أوكرانيا استغل الكرملين صورا تعود إلى الحرب العالمية الثانية، من بينها سواستيكا.

وقياس الرأي العام في الدول الاستبدادية لا يمكن الاعتماد عليه. بوتين يدرك ذلك، وهو ما كان السبب في أن حملته للتعبئة ضد أوكرانيا قد اقترنت بهجمة شاملة على القلة الباقية من الإعلام المستقل في روسيا.

فآخر محطة تلفزيونية مستقلة «تي في دوزهد» أو «تي في رين» على وشك الإغلاق بعد رفض تحميلها من قبل غالبية الأقمار الصناعة وشركات الكابل، فيما أقال مالك أضخم موقع إخباري وتحليلي على الإنترنت، لينتا، رئيسة تحرير الموقع المستقلة وحل بديلا لها رئيس تحرير مؤيد للكرملين يوم الأربعاء، وهو ما أدى إلى تظاهر صحافيي الموقع. وأصبحت المواقع الإخبارية الصغيرة في متناول هيئة حماية المستهلك الروسي التي تتمتع الآن بسلطات إغلاق أي موقع على الإنترنت، حيث فوجئ الروس يوم الخميس باختفاء ثلاثة مواقع إخبارية مستقلة (رغم إمكانية الوصول إليها من خارج روسيا). كما أغلقت هيئة حماية المستهلك مدونة الناشط المعارض ألكسي نافالاني، الموضوع قيد الإقامة الجبرية، قبل أسبوعين، وهي من أكثر المدونات الشعبية انتشارا، «لايف جورنال». وقد ابتكر الروس وسائل للتحايل على الجدار الناري الذي فرضه الكرملين، الذي سارع إلى نشر تعليمات بشأن الشبكات الاجتماعية، وخاصة تلك التي ستتعرض للإغلاق قريبا.

وبإسكات آخر منتقديه، سيظل بوتين على بعد خطوة من لعبة الحرب التي بدأها. بيد أن السبيل الوحيدة لاستمرار تزايد شعبيته هي تصعيد الحرب الكلامية والمجهود الحربي. وسيواصل بوتين نجاحه فقط عبر تصوير العدو الفاشي الأوكراني عدوا أكثر خطورة والغزو الروسي على أنه أكثر أهمية. هذا يعني أنه غير متهم بالحل السياسي، أو كما يقول المحللون الغربيون، استراتيجية خروج تتيح له خروجا آمنا لإنقاذ ماء وجهه. إنه بحاجة إلى الحرب في أوكرانيا ليستمر وينتشر. هذه أخبار مريعة بالنسبة لأوكرانيا، ولروسيا التي ستزداد عزلة وفقرا.

* صحافية أميركية روسية ومؤلفة كتاب «رجل بلا وجه: الصعود غير المتوقع

لفلاديمير بوتين»

* خدمة «واشنطن بوست»