النقد السعودي وتحسن التصنيف الائتماني

TT

البنك المركزي في أي دولة وأي اقتصاد له مكانة حساسة للغاية، وكل تصريح أو قرار يصدر عن المسؤول عنه ينظر إليه بجدية كبيرة ويبحث في آثاره المتوقعة بتعمق.

وهذا الأمر ينطبق بشكل مهم على السعودية صاحبة الاقتصاد الشرق الأوسطي الأكبر وعضو مجموعة العشرين والمصدر الأول للنفط، فالعالم يتابع ما يصدر عن محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي بشكل دقيق، ومن حسن الحظ أن السعودية اليوم لديها رجل عاقل وحكيم ومهني ومحترف في هذا المنصب، يحسب حساب كل كلمة وليست لديه أهواء ونرجسية تجعله أسير الكاميرا والكلمة.

ومنذ وصوله للمنصب الهام هذا، يحاول فهد المبارك تطوير المؤسسة المالية المؤثرة بخطوات إصلاحية لافتة، كانت من العناصر المؤدية لتحسين التصنيف الائتماني للسعودية بحسب المنظمات العالمية. وكان فهد المبارك قد أعلن منذ فترة إطلاق مجموعة من التصاريح الجديدة لبعض المؤسسات المؤهلة للعمل الائتماني، وذلك من أجل توسيع قاعدة خدمات الإقراض وتحسين مناخ التنافسية بشكل عام.

فهد المبارك منذ وصوله إلى هذا المنصب وهو يعمل بشكل دؤوب على إعادة الوقار والاحترام والجدارة والمصداقية لمؤسسة النقد، يعمل على أن تكون تصريحاته «حقيقية» ومدعومة بالأرقام والوثائق، بلا مبالغات ولا أدوات تجميل ولا آراء ولا أهواء. فليس بسر ولا بخاف على أحد، كيف كان عدد غير قليل من الناس يتلقى ويتعامل مع معلومات وإحصائيات وبيانات المؤسسة في الماضي، وخصوصا - على سبيل المثال - حين التحدث عن ظاهرة التضخم، وهي ظاهرة اقتصادية طبيعية في كل دول العالم.

ها هو فهد المبارك بكل جدارة وعقلانية ومصداقية يؤكد وجود تضخم في السعودية وأن نسبة التضخم تصل إلى 3 في المائة وهي نسبة تفوق المعدل العالمي البالغ 2.9 في المائة، وهذه وحدها نقلة نوعية في الاعتراف بوجود تضخم، بعد أن كان في السابق يقال إن التضخم الذي لدينا هو «مستورد»! وكان تفاعل محافظ مؤسسة النقد في مؤتمره الصحافي الأخير مميزا ومنفتحا على كل الأسئلة والاستفسارات، وهذه أيضا نقلة نوعية جديدة تحسب له في التواصل والحوكمة والمكاشفة والشفافية بدلا من إلقاء الكلمات في المؤتمرات والندوات والتبسم للكاميرا.

وقدم المحافظ شرحا مفصلا عن وضعية الاستثمارات السعودية في الخارج وأكد أن هناك سياسات وتنظيمات جديدة ستقدم لتكون بمثابة ضوابط لمعدلات الفائدة البنكية لأجل تحقيق الشفافية والانضباط، وأوضح أن هناك استحداثا إداريا في كل مصرف سعودي بحيث يكون ملزما بإنشاء وحدة خاصة بأمن المعلومات للحد من انتقال الأموال مجهولة المصدر وغسلها. وورث المحافظ تركة «مهولة» و«معيبة» تتمثل في قطاع التأمين الذي يبقى للآن بمثابة صندوق أسود يسعى هو لتنظيفه من الشوائب والكوارث التي به وإن كانت الحلول حتى الآن تبقى أقل مما هو منشود.

العقلانية والحكمة والكفاءة هي أيضا عنوان جديد لمعايير الاختيار للموارد البشرية الجديدة في المؤسسة إلى حد كبير، فهناك أسلوب «مختلف» للتعيين والتدريب والتوظيف والترقية بعد أن تحولت يوما مرتعا للمحاسيب والأنصار، ها هي اليوم تمنح الفرصة لمستحقها بشكل عام وأن الاختيار بشكل رئيس سيكون للأكفأ والأصلح.

وبكل عقلانية تمكن الرجل من تأهيل الأرضية التشريعية والقانونية والمالية اللازمة لطرح مساهمة أكبر بنك سعودي وهو البنك الأهلي التجاري في إنجاز سيحسب له بعد أن كان معطلا قبل ذلك لأسباب غريبة.

وقدم الرجل تصورا «واقعيا» و«حقيقيا» للنمو الاقتصادي الذي يشهده الاقتصاد من دون مبالغات ولا «كرنفال احتفالي» فهو كان يتعامل مع المسألة من وجهة نظر مهنية واحترافية فقط وهذا ما هو مطلوب منه تماما. هناك تحديات لا تزال تواجه فهد المبارك وهو يعمل بكل جدية على إزالتها كما أكد مرارا، فتح مجال التنافسية المصرفية أمام بنوك جديدة لإتاحة الفرص والخيار للناس وخصوصا لتمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة وهذا تحد عظيم. تغيير منظومة مجالس إدارة البنوك بحيث لا يوجد أي شبهة تضارب مصالح في القرابة حتى الدرجة الرابعة كما هو متبع في مجالس إدارات وزارة التجارة، «تنظيف» ملف شركات التأمين بشكل كلي والخلاص ممن تسببوا في هذه المشكلة أساسا بدلا من نقلهم لمكان وظيفي آخر. فهد المبارك اليوم بأدائه العقلاني والمسؤول والحكيم يعطي نموذجا جيدا ومميزا لكفاءة وطنية متى ما منحت الثقة والدعم فمن الممكن أن تقدم الكثير من النتائج المهمة التي تصب في مصلحة العامة والوطن.

في زمن يصعب فيه الشكر والثناء ويسهل فيه الذم والنقد، شكرا فهد المبارك على أداء مميز وتمنيات صادقة بالاستمرار.