احترام الذات ومستوى الصحة

TT

علاقة الإنسان مع نفسه واحدة من أعقد أنواع شبكات العلاقات البشرية، واهتمام المرء بصحته البدنية والنفسية هو إحدى نتائج طبيعة العلاقة تلك. وصحيح أن إصابات الحوادث والإصابات بالأنواع المختلفة من الأمراض هي أعلى في فئة الأطفال ومتوسطي العمر من الجنسين، إلا أن كبار السن هم الفئة الأكثر عُرضة للتأثر السلبي بأي عارض صحي قد يلم بهم، بخلاف الأصغر منهم.

ويمثل البحث عن العوامل التي قد تُفلح في دعم مستوى صحة كبار السن إحدى الغايات التي يبحث الطب عن كيفية الوصول إليها. والطب يعتمد على وسائل وقائية شتى لفئة كبار السن، مثل تلقيهم اللقاحات التي أثبتت جدواها في وقايتهم من الأمراض الميكروبية المعدية، ومثل إجراء الفحوصات الدورية للأجهزة المختلفة في أجسامهم، ومثل تنبيههم إلى ضرورة الاهتمام المبكر، أي في سنوات متوسط العمر، بالحفاظ على سلامة أعضاء جسمهم وبنائها بطريقة صحية واستهلاك الجسم لطاقة الأعضاء تلك بطريقة معتدلة، وغيرها من وسائل الوقاية. ويظل الجانب النفسي ذا أهمية عالية في نجاح جهود الوقاية وفي نجاح جهود معالجة الأمراض إذا أصابت فئة كبار السن، ولذا تكون العناية بالصحة النفسية أولوية.

النظرة التقديرية للذات، أو احترام الذات (Self – Esteem)، هي الخطوة الأولى في سلسلة خطوات رؤية المرء لنفسه بصورة متكاملة، وهي القرش الأخير في خزنة المقتنيات الثمينة لأي إنسان، وبزوال أو تدني مستوى النظرة التقديرية للذات تزول، أو تتدنى، أسباب النجاح لجهود المرء للحفاظ على صحته والعناية بسلامة أعضاء جسمه ووقف معاناته من تداعيات الأمراض ومضاعفاتها. وبخلاف الثقة بالنفس (Self – Confidence) أو الكفاءة الذاتية (Self – Efficacy)، فإن النظرة التقديرية للذات عامل مستقل لا علاقة له بمستوى القوة البدنية أو القدرة المادية أو المستوى الاجتماعي أو الدرجة التعليمية، ولذا تظل النظرة التقديرية للذات هي الأساس في بناء ثقة صحيحة بالنفس وبناء كفاءة ذاتية مدروسة وواقعية.

أما الكفاءة الذاتية فهي مدى قوة إيمان المرء بقدرته على إنجاز المهام وتحقيق الأهداف التي يسعى إليها، وتؤثر على جميع مناطق سلوك المرء في أنشطة حياته. ووفق نتائج الدراسات النفسية، هناك طرق وخرائط لكيفية تطوير وتنمية المرء لمستوى كفاءته الذاتية إزاء أنواع شتى من المهام أو الأهداف الحياتية التي قد يسعى المرء لبلوغها، ومنها العناية بحالته الصحية.

والثقة بالنفس باختصار هي مرتبطة بشعور الضمانة لدى المرء في قدرته على تمييز الأشياء وقدرته على تحقيق الأهداف وتوفر القوة لديه لإتمام ذلك وحكمه على مدى تهيؤ الظروف لصالحه وغيرها من العوامل التي تمنح للمرء ثقة في النجاح. والخطأ وراد في كل هذه الأمور، ولكنه كارثي، إذ من الممكن جدا أن تختل الحسابات لدى المرء فيُبالغ في ثقته بنفسه أو يُبالغ في تقييم كفاءته الذاتية، وبالتالي يُواجه الفشل تلو الفشل، وخصوصا في اهتمامه بصحته ومواجهته للأمراض أو الإعاقات البدنية أو النفسية، وحينها تكون العودة إلى صياغة النظرة التقديرية للذات أولوية كي لا تختل الحسابات بشكل متكرر.

الباحثون من جامعة كونكورديا في مونتريال بكندا بحثوا في تأثير مستوى النظرة التقديرية للذات على مستوى صحة كبار السن. ووفق ما جرى نشره ضمن عدد مارس (آذار) من مجلة الغدد الصماء العصبية النفسية Journal Psychoneuroendocrinology، لاحظ الباحثون في نتائجهم، أن ارتفاع مستوى النظرة التقديرية للذات يعني على أرض الواقع مستوى صحيا أعلى لدى كبار السن. وقد شملت الدراسة مجموعة من كبار السن الذين تجاوزوا الستين من العمر، وتابعتهم لمدة أربع سنوات، خلالها جرى تكرار إجراء تحاليل الدم لنسبة هرمون كورتيزول (cortisol) الخاص بالتوتر (stress hormone)، ومدى وجود علامات وأعراض الاكتئاب، ومستوى النظرة التقديرية للذات وفق نتائج اختبار تقييم خاص بذلك. كما نظر الباحثون إلى العوامل الصحية والشخصية، مثل الزواج والعزوبية والحالة المادية وغيرها.

ووجد الباحثون أن حفاظ المرء، أو تحسينه، لمستوى نظرته التقديرية لذاته بإمكانه مساعدته على منع إصابته بالاعتلالات الصحية المرافقة عادة للتقدم في العمر، وأنه حينما ينخفض مستوى النظرة التقديرية للذات، ترتفع نسبة هرمون كورتيزول التوتر في الدم، والعكس صحيح. وكذلك فان الرابط فيما بين مستوى النظرة التقديرية للذات ومستوى هرمون كورتيزول التوتر كان أقوى بشكل واضح لدى أولئك الأشخاص الذين لديهم تاريخ سابق للإصابة بإجهاد التوتر النفسي أو الاكتئاب.

وعلقت سارة ليو، الباحثة المشاركة في الدراسة، بالقول إن «ارتباط مستوى النظرة التقديرية للذات برفاهية مستوى الحالة الصحية والنفسية، يفرض العمل على رفع مستوى النظرة التقديرية كوسيلة مثالية للمساعدة على منع حصول الإصابات بالمشكلات الصحية في المراحل التالية من العمر»، وأضافت أن «تحسين مستوى النظرة التقديرية للذات إلى حد احترام الذات يُوفر فوائد صحية حقيقية لكبار السن، ومن الضروري العمل على عدم تدني مستوى احترام الذات لديهم». ويعتزم الباحثون تطوير بحثهم مستقبلا ليشمل تقييم قوة عمل جهاز المناعة وعلاقة ذلك بمستوى النظرة التقديرية لاحترام الذات لدى كبار السن.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]