بين صراع الحضارات.. وصدامها

TT

منذ صدور كتاب صامويل هنتنغتون، (The Clash of Civilizations and the Remaking of the world Order) عام 1996 ونحن نشير إليه في أدبياتنا على أنه كتاب «صراع الحضارات»، والواقع أن الكلمة الأساس في عنوان الكتاب وفي أطروحته هي كلمة (Clash) وهي لا تعني الصراع، فالصراع هو كلمة (Conflict)، والصراع مطلوب ومحمود، أما كلمة (Clash) فتعني (صدام)، والصدام قد خبرناه في النكبة والنكسة وفي حرب الخليج الأولى والثانية، وفي حرب أفغانستان السابعة عشرة ضد أمريكا، وكانت النتيجة في هذه الصدامات معروفة للقارئ الكريم.

إننا لم نكن في حالة صدام مع أعدائنا، بل كنا في حالة صدام دائم، ولم ننتهج منهجا نؤمن فيه بسياسة النفس الطويل، ونبشر من خلاله بالنصر المحتوم، وبقدرة الأمة على النهوض والانتصار إذا ما أحسنت استغلال قدراتها، وتوقفت عن بعثرة وتشتيت قواها. وما نعنيه هنا ليس صدام الحضارات الذي عناه صامويل هنتنغتون في أطروحته، كما أن ما نقصده لا يعني ـ فقط ـ حوار الحضارات الذي نادى به الرئيس الإيراني المفكر محمد خاتمي، حيث نرى الحوار بين الحضارات هو أحد مكونات هذا الصراع مع أعداء الأمة.

إن كلمة (Clash) تتضمن في معانيها اصطداما يحدث بين جسمين في اتجاهين متضادين أفقيا، بينما لا تحدد كلمة الصراع (Conflict) اتجاها أو وجهة للمتصارعين، بل تعطي انطباعا باختلاط الحابل بالنابل دونما تحديد لخطوط اتجاهات الصراع، ومثل كلمة (Clash) نرى كلمتي (Crash) و(Crush)، والكلمات الثلاث تتشابه في الشكل، ومبادئ علم المعاني تخبرنا أن التشابه بين الكلمات في الشكل يعكس غالبا تشابها في المعنى، وهذا صحيح في مثل هذه الحالة، فكلمة (Crash) تعني ارتطاما أو اصطداما، والارتطام يعني سقوط جسم من الأعلى إلى الأرض، ويعني الاصطدام تصادما بين جسمين يتحركان في اتجاهين متضادين، وهي بذلك تقترب كثيرا من معنى (Clash)، بل هي تتشابه كثيرا معها، ولا تختلف الكلمتان إلا بحرف L في واحدة وحرف R في الأخرى، وتأتي كلمة (Crush) التي تعني تحطيم جسم ما وبعثرته أشلاء من قبل جسم آخر أقوى منه، والشبه بين الكلمات الثلاث واضح جدا، وكذا يتشابه المعنى بينها في الوقت نفسه. ولذلك فإن ما عناه هنتنغتون في كتابه هو الصدام وليس الصراع، فهو يستقرئ صداما في القرن الحادي والعشرين بين الحضارات والثقافات العالمية الأساسية: الغربية واللاتينية والصينية والإسلامية والهندوسية والأفريقية والأرثوذكسية كما أسماها، ويجادل في أن الإثنيات والقوميات والديانات هي دافع هذه الصدامات ولن تكون أسباب هذه الصدامات سياسية ولا اقتصادية مثلما كانت عبر التاريخ.

وخلاصة القول إن نظرية هنتنغتون هي ما تتمناه قوى التطرف الديني واليمين الفاشي في كل مكان، حيث ترى هذه القوى جميعا أن العالم لا يتسع لعيش البشر جميعا على قدم المساواة، وأن الصدام حتمي بين الأديان، إذ ترى الحركات العنصرية ـ كالصهيونية مثلا ـ بتفوق عنصر ودين على سائر البشر والأديان. ولعل شارون أحد المؤمنين بهذه النظرية ومطبقيها بجدارة وبدماء تسيل بغزارة، ويشترك مع شارون في صداميته من يرى أن العالم قد انقسم إلى شرق وغرب، وإلى مسلمين وغير مسلمين، إذ أن ملّة التطرف واحدة، ولكن الصراع شيء، والصدام شيء آخر...