في كهوف الإعلام

TT

لن يبقى شكل الإعلام كما هو بعد 11/9 حتى في كهوف الإعلام الرسمي العربي، لن يعود هناك مكان للتكرار الذي لا يقول شيئاً منذ اربعة عقود، ولن يعود في امكان موظف مأمور ان يأتمر بقرار مفرّغ، طنان، مملّ، فيما تقف الامة امام مصيرها بهذه العلانية وهذا الوضوح وهذا الخطر.

لم يعد من الممكن ان يسمع الناس الحقائق والارقام والاشياء والاحداث على كل الفضائيات وعلى كل الانترناتات (مع الاعتذار عن الجمع)، ثم يمرون على الإعلام الرسمي العربي فإذا هو يعد (في اجتماع طارئ بدعوة من رئيس الدورة الطارئة السيد وزير اعلام لبنان) بمليون دولار لمحاربة الإعلام الصهيوني. لم يعد ذلك ممكنا، هناك علل كثيرة للشعب العربي وآفات كثيرة، الغباء ليس بينها. ولا الافتقار الى الحس السياسي. ولا الجهل بما يحيط بها، ولا القبول باستهباله.

لم يعد اي شيء ممكنا، ولم يعد مسموحاً ان يظل الإعلام الرسمي متخلفاً الى هذا الحد وراء الإعلام الخاص، الذي لا يقل مستوى في الازمات او في الهدوء، اهمية عن الإعلام الغربي، وكنا نتمنى لو ان الرسميين سمعوا مبكراً دعوة الأمير سلطان بن عبد العزيز، الى ان يقدم الإعلام كل الحقائق للناس لكي لا يلجأوا الى أنصاف الحقائق في مكان آخر، او الى الاشاعات، او الى الدس الذي تنتعش مواسمه في الازمات والاوقات الحالكة. يريد الأمير سلطان القول، ولكن على طريقته، ان ثمة طريقاً واحدة الى الإعلام الصحيح، هي الشجاعة وليس استمرار الغرق في التعابير والمصطلحات والتوريات والاخفاءات القديمة. وقد قال مرة لكاتب هذه السطور في مكتبه في الرياض، «ان كل مقال او خبر او تحقيق يقرأ من السطرين الأولين، فإما ان تكمل او لا تكمل. فصاحب المقال او الخبر هو الذي يوفر عليك المشقة».

يجب ان يدرك الإعلام الرسمي ان الشعب العربي بلغ سن الرشد، ولم يعد في حاجة الى «وزارة ارشاد» كما كانت تسمى وزارات الإعلام بُعيد الاستقلال، ألوف الخريجين يعودون كل عام، وألوف يخرجون من الجامعات الوطنية، ووزراء الإعلام العرب يقررون في جلسة «طارئة» حافلة بالصور والكلام المكرر والجمل التي لا نهاية لها، تخصيص مليون دولار لمحاربة الدعاية الصهيونية في اميركا التي (سامحونا على تكرار هذه الاشياء) تبرع بعض رجال الاعمال اليهود فيها بـ800 مليون دولار لحملة شارون الدعائية.

العرب اليوم في اسوأ حال اعلامية في العالم. أسوأ بكثير من 1967 وما خلّفت من فرى وكرائه وقباحات. ونحن لا نرى سوى الحرب القائمة بحراً وبراً وجواً، لكن حرباً إعلامية أفظع تدور في البر والبحر والجو. اعفونا، رجاء، من المؤتمرات «الطارئة»، اسمعوا ما يقوله الأمير سلطان.